وأنا أحضّر نفسي للاستماع لنشرة الأخبار المسائية لقناة دوزيم M2 يوم السبت 10 أبريل 2021، استرعى انتباهي خبر استضافة شاعر شاب من مدينة طانطان اسمه عمر الراجي، وهو قادم من "أبوظبي"، بعد مشاركته في برنامج "مسابقة أمير الشعراء"، وتأهله للمشاركة في باقي مراحل المنافسة، قلت مع نفسي والله هذه فرصة مناسبة جدا لأسمع نطق العين عند هذا الشاب الذي شد الرحال إلى بلاد البترودلار الذي أفسد كثيرا من الأشياء عند المغاربة بدءا من التدين إلى السلوك وحتى نطق حروف اللغة العربية. وكم كان فرحي كبيرا عندما نطق العين كما ينطقها المغاربة.
من المعروف أن الأمازيغ كانوا حتى وقت قريب في المناطق الجبلية ينطقون حرف العين همزة مثل تهامة اليمن التي يعيدها الباحثون إلى أصول أمهرية، ولكن في المدن على عكس الجبال ينطقونها كما تنطق حاليا، وكما تنطق في كل الشريط الممتد من شمال إفريقيا إلى لبنان وسوريا، ولعل دور مصر القديمة وفينيقيا ظاهر في نشر هذا النطق الذي توطد عبر التاريخ.
نطق العين الذي تنشره بعض قنوات الخليج وبعض الدعاة الدينيين الذين يذهبون إلى حد ربط ذلك النطق بالقرآن، وهو ربط غير صحيح، يأتي من عمق الحلق، والبعض يبلغ إلى حد رفع اللسان قليلا نحو الحلق ليخرج الصوت مثل صوت البعير فيه جعجعة وهو لزج لا أثر فيه للذوق والرقة. في حين أن نطقه في كل هذه المنطقة الشاسعة يأتي من أول الحلق خفيفا رقيقا، وعند الأمازيغ يذهبون إلى بسط اللسان قليلا ليصدر الصوت بدون جعجعة ولا عواء فيه، وهذا لا يعني أنهم لا يعرفون نطق العين كما يفعل البعير، فالأم الأمازيغية عندما تريد أن تدفع طفلها لكي يتقيأ إن أكل شيئا أصابه بالوجع، تحثه على نطق تلك العين البعيرية وتدفعه إلى أن يفعل مثلها: ععععع من عمق الحلق.
عدد من الباحثين يؤكدون أن إنسان نياندرتال يصدر أصواتا حقا، ولكن ليس نطقا كما ننطق الآن، لأن الفك السفلي لديه كان متقدما، ولم يصبح بعد مطواعا للحركة السريعة، ولأن العظم اللساني لم يأخذ بعد شكله الحالي، لذا كانت كثير من الحروف الأولى لديه عبارة عن أصوات تصدر من جوف الحلق، لكن مع تقدم الحضارة ورقي الإنسان أصبح الفك السفلي طيعا وتدخلت عدة أجزاء مثل حركات اللسان وسقف الحلق والأسنان والمزمار والشفتين... في تجويد الحرف وتهذيبه حتى لا يخدش الأذن.
منذ شهرين تقريبا، وأنا عند البقال أشتري بعض الحاجيات، جاء طفل لا يتعدى عمره ثماني سنوات وفي يده ورقة مكتوب فيها ثلاث مواد من ضمنها العدس، ولما نطق الكلمة قلت له من علمك نطق العين؟ قال معلمي، ونظر إلي بتساؤل وكأنه ينتظر مني تعليقا، لكني لم أعلق بشيء، غير أني غادرت المكان وأنا متألم لأني تيقنت أن البعض لم يكتف بأن يقلد بعض الآخرين في بلدان الخليج في نطق الحروف لأسباب ما، لكن أصبح لدينا من يستغل موقعه التربوي لتغيير نطق الحروف لتتلاءم مع النطق في الجزيرة العربية.
المسألة ليست مرتبطة هنا بتيار الإسلام السياسي، لأن الكثير منهم في العدالة والتنمية وفي العدل والإحسان ينطقون العين كما ينطقه المغاربة ولكل واحد أن يسمع بنكيران أو العثماني أو محمد عبادي وقبله عبد السلام ياسين ليتأكد من الأمر، بل الأمر يتعلق بسعي بعض الناس لكي يمحوا تماما كل ما يتعلق بأصول المغاربة المتعددة، وفرض عادات وتقاليد.. شعوب أخرى علينا، وذلك تزلفا وتملقا لأغراض ذليلة وخسيسة.
عجبا لمثل هؤلاء لكن الأعجب هو أن تكون باريس هي مدينة الرقي في النطق بالفرنسية الذي فاق كل المناطق الفرنسية وكان يضرب بها المثل في هذا الصدد، وإذا بنا نسمع منها أصواتا كثيرة وليس كلها في فرانس 24 تقلد نطق العين لقنوات خليجية، وكأن على هؤلاء فقط أن يسمعوا نطق العين عند محمد عبد الوهاب وأم كلثوم واسمهان ومن لبنان فيروز حتى يتيقنوا من رقة العين وحضارتها، وقد يقول قائل: هؤلاء فنانون قدامى، وأقول: إذن فليسمعوا نانسي عجرم، لا أتصور مغنيا يمكنه أن يغني بتلك العين، لقد عايش المغاربة نطق العين الحضارية وكبروا معها ومن الصعب العودة بهم إلى ما قبل التاريخ.