الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

20 فبراير والتغيير الديمقراطي.. من ثقافة الاحتجاج إلى ثقافة المشروع

 
عمر إسرى
 
شاركت في حراك 20 فبراير 2011 من بدايته إلى ما بعد انسحاب الأغلبية المطلقة من الشارع، حتى تبقى العشرات، كانت الحركة تناضل من أجل العدالة الاجتماعية، واجتثات الفساد، إضافة إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وتوسيع مجال الحريات، وتشغيل العاطلين عن العمل، وضمان حياة كريمة للجميع، وتعميم الخدمات الاجتماعية، وكذا إرساء ملكية برلمانية.
 
يخطئ الكثيرون حينما يتحدثون عن الحركة على أنها كتلة متجانسة، وهي لم تكن أبدا كذلك، لا من حيث مكوناتها ولا من حيث أهدافها ومطالبها، حيث جمعت بين ألوان سياسية مختلفة تصل أحيانا حد التناقض، فما كانت تريده جماعة العدل والإحسان الظلامية من الحركة لم يكن نفس ما كان أغلب الشباب يطمحون إليه، بل إن الاختلاف واضح حتى بين الحليفين النقيضين العدل والإحسان والنهج الديمقراطي، فما بالك بشباب الحركة الأمازيغية وشباب بعض الأحزاب وعلى رأسها الاشتراكي الموحد والطليعة والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وغيرها.
 
إن كل الأحزاب السياسية والتنظيمات المسيسة المشاركة، كانت تحاول منذ البداية توجيه الحركة لخدمة إيديولوجياتها، والتحكم فيها سعيا للاستفادة من مكاسب على "ظهرها"، منهم من يضغط ومن يبتز ومن يناور ومن يستعرض عضلاته، ومنهم من وجد نفسه خارج اللعبة فحاول تدارك الأمر وإن على مضض، كل هذه التيارات كانت تصرخ في واد، بينما أغلب الشباب والمواطنين والغالبية من الفئات الشعبية كانوا يطالبون بمكاسب اجتماعية محضة بعيدة عن التطاحنات السياسوية، كانت مطالبهم الأساسية مختزلة في الكرامة والعدالة الإجتماعية والمساواة، ولم يكن يهمهم أكثر من ذلك.
 
من أغرب ما رأيناه في مسيرات الحركة تحالف تنظيمات رجعية تحلم بالخلافة، مع تنظيمات حداثية أو تدعي الحداثة، تقول إنها تطمح إلى دولة علمانية تقر بجميع الحريات الفردية والجماعية، في نفس الفضاء تجد شابا يقبل شابة من "حركة مالي"، ورجالا بجلاليب ولحى طويلة يحرصون على عدم الاختلاط بالنساء "العورات" حسب فهمهم، تناقض تحول إلى تبادل الصفعات واللكمات في الكثير من المناسبات.
 
في نفس الشارع فئة قليلة تحلم بتغيير جذري طوباوي، تحاول انتزاع الكلمة من أغلبية تريد الإصلاح في ظل الاستقرار، بل إن حتى الوجوه الشابة التي كان الإعلام يسوق لها لا تكوينَ سياسيا لديها، لا تعرف ماذا تريد وكيف تحقق ما تريد، فكانت تصرّف مواقف عاطفية تعبر عن "تمرد الشباب"، وكثيرا ما تبدي ردود أفعال ميكانيكية، ووراء كل هذه المكونات، هناك الأغلبية الساحقة من الحركة، أولئك المواطنون العاديون والشباب المستقل البعيدون كل البعد عن تلك الحسابات الإيديولوجية، إلى درجة أن أغلبهم لم يكن يعي أن هناك ركابا وقوادا مندسين كان حلمهم الوحيد "قلب" القافلة بما حملت في أول عقبة، بل إن الكثيرين منهم لم يكونوا يعرفون ماذا تعني الكثير من الشعارات الرنانة التي كانت تصدح بها حناجرنا، وكانت وقودا للحراك أكثر من عمق ودلالات المفاهيم والمصطلحات.
 
بعيدا عن ذلك كله، فإن ما كان يوحّد أغلب المشاركين في هذه الحركة، في اللاوعي، هو أن هناك فعلا أزمة، وأن علاجها ضروري لصالح الوطن، هناك فوارق طبقية صارخة وتنمية مجالية مختلة، وبطالة وفساد في الإدارات والمؤسسات، أمام نماذج تنموية فاشلة وأحزاب غائبة، كان ذلك معروفا ويقر به الجميع حتى من داخل الدولة.
 
وراء كل هذه الطموحات والصرخات والاصطفافات والتناقضات، كان هناك حزب فهم اللحظة وجعل منها درجا صعد به إلى الحكومة، مقدما وعودا دونكيشوتية لا توافق كفاءته ومؤهلاته، على رأسها تحقيق نسبة نمو تصل إلى 7 في المائة، وامتصاص البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية، انتظر الكثيرون ليروا بأعينهم أن الوعود كانت ملغومة، وأن الحزب كان يطمح إلى أشياء أخرى اتضحت في ما بعد.
 
حركة 20 فبراير كانت تعبيرا جليا عن أزمة بنيوية تتخبط فيها الأحزاب السياسية خبط عشواء، تنظيمات صارت انتخابوية صرفة، لا تقوم بأي دور من أدوارها المنوطة بها، ولذلك فشلت في لعب دور الوساطة مع الحركة كما مع حراك الريف وباقي الاحتجاجات الاجتماعية من جرادة وبوعرفة وفكيك وأوطاط الحاج إلى زاكورة وطانطان وسيدي إيفني...، لقد فقدت تلك المصداقية التي تجعل منها أحزابا يثق فيها الناس لحمل مطالبهم وتفعيلها من داخل مراكز القرار، هذا صلب الموضوع، وهو اختلال ما زال يتعمق أكثر فأكثر، 37 حزبا منها من يقود الكوكبة مستعملا "سلطة المال" و"دغدغة العواطف" و"الانتهازية السياسية المغلفة بالعمل الخيري" و"استغلال الدين"، وأخرى في ذيل الترتيب جعلت من تنظيماتها دكاكين شخصية للاسترزاق، حصنها مالكوها بقوانين لا ديمقراطية حتى يخلد الزعيم في منصبه.
 
رغم إيجابياتها وسلبياتها، فقد كانت حركة 20 فبراير بمثابة ناقوس خطر لا يمكننا تجاهله، كما لا يمكن تجاهل المكاسب القانونية والمؤسساتية والتنموية المهمة التي تحققت منذ سنة 1999، فنظرتنا إلى النصف الفارغ من الكأس مجانبة للصواب، والصواب أن نعترف بالنصف الممتلئ وننخرط جميعا في ملء النصف الفارغ، عوض توجيه الاتهام لجهة معينة وكأننا غير معنيين بما يقع، كلنا نتحمل جزءا من المسؤولية في الأزمة، وجميعنا بالتالي، مطالبون بالمساهمة في تجاوزها عن طريق "المشاركة في تدبير الشأن العام" كل من جانبه.
 
وفي تقديري، أعتقد أن "مشروع حزب التغيير الديمقراطي"، وبعده "مشروع حزب التجمع من أجل التغيير الديمقراطي"، بالإضافة إلى "حركة تامغربيت"، كانت نتاج تقييم للمقاربات السابقة، وعلى رأسها "مقاربة المقاومة والاحتجاج"، و"مقاربة الكرسي الفارغ"، وتسعى إلى نقل طاقة الشباب إلى داخل المؤسسات ليساهموا في تحقيق ما كانوا يطالبون به في الشارع، وطرح بديل لما كانوا ينتقدونه من وراء شاشات الهواتف الذكية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن جوهر وجود مشروعنا هو الاقتناع بضرورة الانتقال إلى "ثقافة المشروع" و"ثقافة المشاركة البناءة".
 
إن مشروعنا هو تعبير عن نضج أفكار الكثير من الشباب المنخرط في حركات احتجاجية متعددة من بينها حركة 20 فبراير، وشباب آخر عزف عن السياسة بشكلها المؤسساتي، قمنا جميعا بنقد ذاتي صارم لمقارباتنا، قبل أن نختار بشكل عقلاني وبقناعة راسخة، خوض غمار السياسة في أفق الوصول إلى مراكز القرار، والمساهمة في تحقيق التنمية والعدالة والمساواة والتغيير الديمقراطي الهادئ في ظل الاستقرار، هكذا فقط يمكننا التعبير عن غيرتنا على وطننا وعن رغبتنا الفعلية في تغيير الأوضاع لصالح الوطن والمواطنين، لأنه لا يستوي أبدا أن نستمر في الانتقاد والصراخ دون تقديم البديل.
 
صحافي وفاعل سياسي