الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

القضية الفلسطينية أولا وقبل كل شيء قضية وطنية للشعب الفلسطيني

 
محمد نجيب كومينة
 
لست من دعاة التطبيع ولا من مسانديه، وهذا ما لست في حاجة إلى التذكير به، وأشير فقط إلى أنني كنت الصحافي المغربي الذي اشتكاه مكتب الاتصال الإسرائيلي السابق، وهناك شهود أحياء من جريدة العلم.
 
لكنني أرفض اليوم، كما الأمس، أن يفرض على المغرب أن لا يفكر في أي قضية وطنية أو مصلحة وطنية أو يتحرك للدفاع عنها إلا بعد المرور من مصفاة حسابات الأطراف الفلسطينية، والتأكد من خلو التفكير أو التحرك مما لا يطابق تلك الحسابات. هذا النوع من الشروط لا تلتزم به حتى الأطراف الفلسطينية، التي لا تجتمع على رأي واحد من القضية نفسها، وإنما يستخدم للإحراج أو حتى لممارسة الابتزاز من طرف البعض، الذي يتحرك في إطار أجندات جيوسياسية واستراتيجية تستعمل القضية الفلسطينية استعمالا مسيئا ولا ينفتح على إمكانية تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية والتوفر على دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
 
وحين تلجأ بعض الأطراف إلى المزايدة علينا أو على غيرنا بالقضية الفلسطينية، فإنها لا تأخذ كلها بعين الاعتبار قضايا ومصالح الدول والشعوب العربية التي تساند القضية، ويلجأ البعض منها إلى التخوين وحتى ممارسة الابتزاز في العلاقة مع من يفترض أنهم أصدقاء هذا البعض، ونحن نعرف تصرفات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مثلا في هذا الإطار وتصرف قياداتها، التي طورت موقفا عدائيا تجاه المغرب واليسار المغربي، نظرا لعلاقاتها مع النظامين الليبي والجزائري في سبعينيات القرن الماضي، وقد اكتشفت لدى نقاش مع عضو المكتب السياسي لهذه الجبهة صلاح صلاح في ثمانينيات القرن الماضي أن الموقف الذي تبنته يقوم على الإيديولوجيا والتحالفات ويرفض الوقائع والتاريخ الحقيقي وليس المكذوب عليه، بل وخلصت إلى أن حالة الشرق، الذي نشأت دوله بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، ثم بعد الاستعمار على الخصوص، يبقى محددا لنظرة مختزلة لا تأخذ بعين الاعتبار وجود دول سابقة على الدولة الوطنية الحديثة وبعد الاستعمار، ومن ضمنها الدولة المغربية، التي عاشت، على مدى 12 قرنا بعد دخول الإسلام، لحظات قوة ولحظات ضعف، لكنها استمرت وصمدت في مواجهة الإسبان والبرتغاليين والعثمانيين والإنجليز، وأيضا في مواجهة الاضطرابات الداخلية والأوبئة والكوارث الطبيعية.
 
رفضي لاعتبار المرور على المصفاة الفلسطينية واجبا قبل اتخاذ أي موقف يهم مصالح وطنية هو رفض لتراتبية لا يوجد أي أساس يسندها، لأننا لسنا تابعين لأي جهة، ورفضي لمنطق انتهى زمنه بإمساك الفلسطينيين بقضيتهم باعتبارها قضية وطنية وفهمهم أن حلها يأتي في إطار عالمي internationalisation، مادام قد تأكد للواعين ضمنهم أن امتناع الدول العربية عن الاندماج في العالم نتيجة الرغبة في الحفاظ على أنظمة استبدادية ومتخلفة ينطوي على غباء سياسي ويبقي القضية الفلسطينية مراوحة في المكان إلى أن تقضم الأرض، رفضي هذا لا يضاهيه إلا رفضي لاعتبار المعركة مع الاحتلال الصهيوني معركة دينية لا يمكن أن تحسم إلا بصلاح الدين أيوبي جديد يقضي قضاء مبرما على اليهود، لأن الأمر ينطوي على انحراف فكري وسياسي لا يعير اهتماما لعدد كبير من اليهود غير الصهاينة الذين يساندون حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة ويسعون للسلام العادل، وقد كانت لهذا الانحراف نتائج كارثية على القضية الفلسطينية في ما مضى وكان تبني مشروع الدولة الفلسطينية من طرف منظمة التحرير الفلسطينية وتحركها دوليا على أساسه في الطريق الذي رسمه الزعيم التاريخي ياسر عرفات وقاده إلى ممارسة اختراق أول من خلال أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية كخطوة أولى على طريق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وليس غريبا أن هذا الاختراق قد أجج تطرفا وسط الإسرائيليين الذين مالوا، منذ ذلك الوقت، إلى تغليب كفة نتانياهو، التي تشير مؤشرات الأيام الأخيرة إلى أنه على أبواب أول خسارة كبرى منذ تسعينيات القرن الماضي.
 
إن نمط التفكير القديم، الذي تخلت عنه السلطة الفلسطينية منذ إقامتها، يجب تجاوزه مادام لم ينتج سوى الخيبات الكبرى، ويجب النظر اليوم إلى القضية الفلسطينية باعتبارها أولا وقبل كل شيء قضية وطنية للشعب الفلسطيني، وأن حصرها في النطاق الضيق العربي إلى الإسلامي لا يخدمها إطلاقا، وإنما يخدم مصالح من يستعملونها لخدمة مصالحهم، وأن مشروع إدماج المنطقة العربية في العالم الذي عمل عليه أوباما وبايدن في السابق، بشكل خاطئ، قد يعود غدا مع بايدن بطريقة مغايرة، بالإضافة إلى توقع نهاية نتانياهو، الذي كان المغرب يفضل عليه حزب العمل الذي تناوب على قيادته زعماء من أصل مغربي في العقدين الأخيرين، وتطور مواقف الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي، أمور تخدم إخراج القضية من حالة المراوحة في المكان، ما لم يتخذ الفلسطينيون مواقف خاطئة، وتجعل التسوية المنتظرة تقترب، ومن المؤكد أن المغرب، القادر على ممارسة نوع من التأثير داخل إسرائيل في الوقت الذي لا تأثير لهذه الأخيرة في المغرب، يمكن أن يكون فاعلا ذا ثقل في مسار تلك التسوية لفائدة الفلسطينيين وبناء على اختياراتهم المستقلة.
 
وضع القضية الفلسطينية في مكانها الطبيعي يخرج من نوع من التفكير غير السليم الذي يمضي إلى حد مطالبة المغرب برفض مكسب كبير واستراتيجي يهم وحدته الترابية ووجوده الوطني، بل وإلى حد رفع شعار التخوين، وكأنه تم التخلي عن شبر من أراضينا أو حق من حقوقنا الوطنية أو كأنه تم الإعلان عن التخلي الكلي عن التزامات المغرب التضامنية مع الشعب الفلسطيني.
 
التطبيع الذي يخاف منه البعض رهين بعدد من المعطيات التي لا تتوفر لحد الآن، وهو لم ينجح لا في مصر أو الأردن لأنها لم تتوفر، وأولها وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية واستئناف مفاوضات الحل الأخير، وإنهاء القمع... الخ.
 
كاتب وإعلامي واقتصادي