من المهم جدا أن يخصص التلفزيون المغربي برنامجا يخصص لتناول وتسليط الضوء على أساليب ومحددات التغطية الإخبارية للقناة الأولى بهدف استيعاب متطلبات الظرف الصحي الطارئ، بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، ومدى المساهمة في تكييف أخبارها وبرامجها لدعم التعبئة لمواجهة هذا الوباء؟ وإلى أي حد تمكنت القناة من تقديم خدمة إخبارية تستند على قواعد المهنية والمصداقية؟
وإذا كانت مديرية الأخبار بالقناة الأولى قد عملت على تأمين فقرات إعلامية تفاعلية وبرمجة مضامين تحسيسية، وفق ما هو متوفر لديها من إمكانيات بشرية وتقنية، من أجل الحد من انتشار الجائحة ومواكبة آثارها وتداعياتها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فإن التلفزيون العمومي، تمكن بالمقابل، من أن يستعيد زمام المبادرة ويحقق بالتالي تصالحا مع الرأي العام ويعيد الدفء مع المشاهدين، ترجم بتحقيق نسب مشاهدة عالية خاصة على مستوى نشرات الأخبار، وذلك مقارنة مع المعدلات التي كان يسجلها قبل اكتشاف أول حالة لجائحة كوفيد 19 في ثالث مارس الماضي.
وتميزت في هذا الصدد، نشرات الأخبار بانفتاح ملحوظ على فعاليات متعددة من داخل وخارج المغرب متخصصة في قطاعات مختلفة، جعلت المشاهد يكتشف طاقات تظهر لأول مرة على شاشة التلفزة، وهو ما فتح أفقا جديدا لإمكانية تقديم خدمة إعلامية اخبارية شاملة، بهدف تلبية انتظارات الجمهور في معرفة كافة المجالات بتدبير جائحة كورونا على مختلف الأصعدة.
وعلى الرغم من غياب دراسات وأبحاث علمية حول أداء وسائل الإعلام السمعية البصرية خلال جائحة كورونا بالمغرب، فإن هيئات الحكامة والهيئات التمثيلية للمهنة كالمجلس الوطني للصحافة والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي سجلت في تقاريرها المجهود الاستثنائي الذى تبذله المؤسسات الإعلامية ومنها السمعي البصري في ميدان التحسيس بتداعيات فيروس كورونا خاصة في ميدان التوعية والتحسيس بهذا الفيروس بهدف حماية صحة المواطنات والمواطنين.
وفي ظل غياب تقاليد وتجارب إعلامية في تدبير الأزمات منها المتعلقة بالجوانب الوبائية والصحية والكوارث الطبيعية والتي تفرض تكوينا يستند على معايير محددة ويتطلب تعاملا إعلاميا مهنيا خاصا، فإن "إعلام الأزمة" وإن كان على غرار الإعلام بشكل عام، يضطلع بدور طلائعي في مجالات الاخبار والتثقيف والتوعية والتحسيس، فأدواره تشهد بالضرورة تطورا يختلف باختلاف المراحل التي تبلغها الأزمات التي تتميز بخصائص منها التعقيد التشابك والتداخل لعناصرها والتي تتسبب في ضغوط نفسية ومادية واجتماعية وإنسانية.
ويتطلب مواجهة جائحة كوفيد 19 المستجد، في ظل هكذا وضع، الخروج عن الأنماط التنظيمية المألوفة، بإعداد مخططات إعلامية جديدة، تتلاءم مع هذه المستجدات، وتضمن في نفس الوقت، تمكين الرأي العام من أخبار ذات مصداقية، ومعلومات ومعطيات موثوقة، خاصة وأن التغطية الصحفية خلال وقوع الأزمات، تكون أكثر استمرارية من تغطية أحداث عابرة.
وإذا كان إعلام الازمات يعد إعلاما موسميا، ويتولى مهمتين الاولى توضيح تطورات الموقف للرأي العام والثانية تشكيل هذا الرأي والتأثير فيه، فإنه يستلزم بالضرورة تعاملا إعلاميا خاصا على مستوى تغطية الأزمة ادارتها واحتوائها، حيث تؤدى وسائل الإعلام دور الوساطة مما يساعد على فهم أبعاد الأزمة وتطوراتها وتداعياتها، إذ إن "الإعلام الأزماتي"، يضطلع على غرار الإعلام بصفة عامة، بدور طلائعي في الأخبار والتحسيس والتوعية والترفيه.
وعلى صعيد آخر، أبانت جائحة فيروس كوفيد 19 المستجد، التكامل الحاصل ما بين وسائل الإعلام التقليدي -خاصة السمعي البصري- وما يسمى بالإعلام الجديد منها ووسائط وشبكات التواصل الاجتماعي. فعلى الرغم من التغيير الذي طال الشكل، لكن ظل المضمون واحد مع تسجيل حضور وازن في مجمل هذه الدعامات الإعلامية للصور واستخدام للرسوم البيانية، والتركيز على التغطيات الميدانية، مع تنويع في البرامج والنشرات الإخبارية، بهدف تمكين الجمهور من مواكبة تداعيات انتشار الوباء.
كما أكدت الجائحة من جديد الأهمية البالغة التي يكتسيها الإعلام المهني الملتزم بالقواعد الحرفية وأخلاقيات المهنة في نشر الاخبار من مصادرها، على خلاف ما يروج غالبا في وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخضع محتوياتها لهذه القواعد المعمول بها في مجال النشر والبث. كما أبانت كورونا الحاجة الماسة الى اعادة الاعتبار للخدمة العمومية في الإعلام وخاصة السمعي البصري ويقظة إعلامية، تمكن من التفاعل بشكل أكبر مع الرأي العام للمساهمة في الحد من هذا الوباء.
ورافق تداعيات كورونا، تكثيف الحديث عن الاخبار الزائفة مع البحث عن السبل الكفيلة بالتصدي لهذا الفيروس "الإعلامي" القديم الجديد خاصة في ظل تناسل الاشاعات، التي ليست فقط وليدة طفرة تكنولوجيات الاتصال والثورة الرقمية، كما يعتقد البعض، وإنما يرتبط بعوامل وأسباب متعددة، وأعادت طرح الأسئلة على الأداء المهني وصورة الإعلام.
فمواجهة ومناهضة الأخبار الكاذبة، يعد مسؤولية جماعية، تقتضى بالخصوص ضمان الحق في الحصول على المعلومات ونشر الوعي والتربية الإعلامية، مع الارتقاء بمستويات التحسيس بأهمية التعامل النقدي مع محتوى شبكات التواصل الاجتماعي والمعلومات والمعطيات التي تعممها. فاستثمار المجهود المهني في الإعلام السمعي البصري العمومي في التدبير الإعلامي للقناة الأولى لتداعيات فيروس كورونا المستجد، يقتضى بالضرورة العمل على تثمين الموارد البشرية وتوفير البيئة السليمة للعمل الصحفي، وأن تثمين الأداء الإعلامي في ظل فيروس كورونا، يتطلب أن يشكل مستقبلا مدخلا للتعامل مع القضايا أخرى، تحقيقا لـ"إعلام الحقيقة" الذى يقع بين حدي تجنب التعتيم، بحجب المعلومات وعدم الوقوع في التهويل الذى يؤدى الى التخويف والانفلات.
________________
(*) نص المساهمة في برنامج "الوسيط" الذي بثته القناة الأولى يوم السبت 14 نونبر 2020.