الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

تنظيمات حركات الإسلام السياسي.. من اللامجد إلى الهاوية

 
عبد المنعم خنفري
 
يدل مفهوم الإسلام السياسي، الذي أطل في عقود الثلاثة السالفة، وأخذ ينمو بشكل كبير، ويظهر بخطاباته السياسية الجديدة القديمة في كثير من المناسبات الدولية، خاصة إلى حد ما في ما يتعلق بمشاكل الدول الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، حيث يشير مصطلح الإسلام السياسي إلى مختلف الأعمال والأنشطة والجهود التي يعمل عليها فرد أو مجموعة أفراد أو منظمات أو جماعات إسلامية في مسعى منها لتحويل الدولة والمجتمع فيها إلى مجتمعات ودول إسلامية في جميع مناحيها، حيث تستمد ضوابطها والقوانين التي تحكمها وتسيرها من أحكام الشريعة الإسلامية، وكأنهم هم العارفون بالدين، يجردون الدولة من إسلامها، ليأتونا بإسلام ثقافة الشيخ والمريد...
 
ويمكن تعريف الإسلام السياسي أيضا بشكل آخر فهو المصطلح الذي يصف جميع الحركات الإسلامية التي تخوض في غمار السياسة، وتؤمن بأن الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية يمكن أن يكونا منهج حياة كامل متكامل في جميع نواحي الحياة حسب رؤية أنصار حركات الإسلام السياسي، وهنا وراء الأكمة ما وراءها، هي دباجة أردنا من خلالها توضيح المفهوم بشكل عام للمرور لما هو خاص.
يظهر، وبشكل جلي، أن حركات الإسلام السياسي تعيش هذه الأيام ترديا على المستوى السياسي وخمولا على المستوى الميداني، ويعاني معظمها من حالة عدم الوضوح هي ضبابية حادة في الرؤية إزاء سبل التعامل مع الأنظمة في بلدانها، وتتنازعها جواذب اجتهاد في اتجاهات ومسارات مختلفة بين فترة وأخرى.
 
هذا يظهر جليا في جل البلدان التي توجد فيها هذه الحركات بداية بمصر وأفول تنظيم الإخوان المسلمين مؤخرا رغم المحاولات الحثيثة للرجوع للميدان، مرورا بالأردن والقرار الأخير الذي صدر عن أعلى هيأة بالدولة أواخر شهر يوليوز بحل مجلس نقابة المعلمين التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وكذا تقهقر حزب النهضة بتونس والرجة السياسية بالمشهد التونسي الواضحة المعالم، إضافة إلى المغرب وما يعرفه الحزب الذي هو على رأس الحكومة من تردي لا على مستوى الخطاب ولا على مستوى الممارسة السياسية وتدبيره الباهت للشأن العام، إضافة إلى تنظيمات أخرى موغلة في الظلامية، مرورا ببلدين تعثرت عملية الانتقال السياسي فيهما بحكم طبيعة سلطاتهما والتركيبة الاجتماعية فيهما وموقعهما في المعادلة الجيوسياسية الإقليمية والعالمية هما سوريا واليمن، هي قراءات في معطيات وضعنا عليها ولو لمحة بسيطة لتحليل مشهد سياسي عاجز عن تقديم بديل ديمقراطي حقيقي لشعوب المنطقة، وأي بديل ننتظره من أعداء الديمقراطية، وهو لا يخدم حقيقةً مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة.
 
وبالرجوع لمعرض حديثنا لابد من التذكير بعرابة هذا المد الذي تهاوى بانتهاء مهام كانت موكولة لهم إبان بداية "الخريف العربي" وليس "الربيع" كما يتداوله العديد من الباحثين والمحللين، فلقد ذكرني هذا بربيع براغ نظرا لما جادت علينا به هذه السنون من حُكم هذه التنظيمات من دمار وقتل وتفجيرات راح ضحيتها العديد من الضحايا إلى جانب انتشار الفكر التكفيري والداعشي فضلا عن تراجع في الحقوق الحريات وتدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بالمنطقة، ناهيك عن الدعم الذي قدم لهذه التنظيمات من أطراف ساهمت في حبك اللعبة السياسية على مستوى دولي عالٍ، من داخل دهاليز السفارات الأمريكية، حيث حيكت فيها العمليات بدقة لتنفيذ الأجندة، التي بدأت معالمها تظهر من خلال تقارير رفع عليها البيت الابيض السرية في هذه الأيام الأخيرة.
 
ويجدر القول إن الحركات الإسلامية وبحكم انعدام خبراتها في ممارسة الحكم وشؤون الدولة استعصى عليها المضي في مثل هكذا مخطط إلى جانب الخلط ما بين التكتيك والاستراتيجية، طبعا هذه أدبيات بعيدة كل البعد عن مثل هكذا تيارات ثم لابد من إشارة ساهمت قي تقهقر حركات الإسلام السياسي هو كون الجمود العقائدي مسببا رئيسيا في عدم تطور هاته الحركات.
 
أدلة الإخفاق هاته تتجلى في عجز حركات الإسلام السياسي عن بلورة برنامج سياسي واضح المعالم على مدار المراحل الماضية للتعامل مع مشكلات وتحديات بلدانها على مستوى جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية حتى التقنية، فرغم بعض المناورات التي قامت بها بعض التنظيمات من فصل الدعوي عن السياسي إلا انها باءت بالفشل ولم تأت بأي نتيجة.
 
هي مرحلة وشيكة على النهاية وبدرجة أقل سقوط لورقة التوت، لما هو ملاحظ في هذه الآونة الأخيرة من رفض صارخ للمجتمع الدولي لحركات الإسلام السياسي، ولعل ما وقع في فرنسا من عمليات إرهابية، وفي عمق أوروبا، وكذلك نتيجة الاستحقاقات الرئاسية الأمريكية التي ستجرى بتاريخ الثلاثاء 3 نوفمبر 2020، كل هذه المعطيات ستسفر على عدة متغيرات في الأيام المقبلة.
 
باحث وناشط حقوقي