ذهب كثير من الناس في مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما هو هزلي في كلام قيادي من الحزب الأغلبي، والذي يتحمل عددا من مسؤوليات الشأن العام، وهذا غطى على مضمون كلامه ومراميه الواضحة، والبعيدة حتى عن التلميح والإشارة.
كلمة بيليكي BILIKI كلمة تركية تعني حسنا، طيب، ولكنها دخلت في اللسان الدارج l'argot لعدد من المجتمعات الأوروبية في العقود الأخيرة بمعنى فابور، بالمجان. في العمل الذي كان يتكلم عنه القيادي يقال عادة: العمل التطوعي، أما بيليكي فهي تستعمل للتحقير مثل مقال صدر في مجلة مغربية في العقد الماضي ينتقد فيه صاحبه ثقافة البيليكي المتمثلة في كثرة المتسولين وكثرة من يبحث عن كل ما هو مجاني، ولم ينس أن يعرج على بيت القصيد ليهاجم الآباء الذين يفضلون التعليم العمومي لكونه بيليكي.
أما الدبشيخي، وليس (الديبخشي كما ذهب البعض الديب خشي بمعنى حشر من لا يستحق في مسؤولية أو عمل)، فهي كلمة دارجة قديمة جدا لم تعد مستعملة، منحوتة من الدبش وهي عربية أي ما لا يعتد به وسيء ومريب، وتستعمل حاليا في الخليج في الكلام الدارج، أما في اللغة العربية فهي الغابة الكثيفة التي تحيل على الغموض، ومثلها مثل الدغليش والبعض يقول الدغنيش، فهي أيضا في اللغة غابة كثيفة وفيها ما هو مريب: دغل رجل دارا معناها دخل بشكل مريب، وفي الدارجة تعني استعمال الحيل والتزييف. الدارجة المغربية أصبحت تنحت من كلمات من البيئة مثل التنوعير من الناعورة، وحاليا تختار الكلمات الخفيفة والقصيرة.
مثل هذه الكلمات سمعناها من قادات هذا الحزب مرارا مثل الكَرادي والبخوش والعفاريت وغيرها، ولقد سبقهم الأموي إلى استعمال الكلمات الدارجة ولكن هو كان يستعملها متهما بها من يمتص دماء الطبقات الشعبية وحاليا يستعملها هؤلاء بعد أن احتلوا عددا من المواقع التي كان يحتلها من كان يعنيهم الأموي ليوجهوها ضد الطبقات الشعبية وليس ضد الفساد.
في الحقيقة مضمونُ كلام المسؤول مضمونٌ لا يمكن السكوت عنه، ولا تشكل الكلمات المستعملة أية مشكلة وإن كان من المستحسن احترام المقام واحترام من وجهت لهم من الطبقات الشعبية وأكثر من هذا الموقع البرلماني يفترض أن الكلام موجه لكل الشعب المغربي.
أول شيء، أنه هو أيضا لا يخلق ثروة، وليس فقط العاطلين عن العمل، وذلك بسبب سياسته وسياسة من سبقه، لأن عمله يدخل ضمن دائرة التسيير، ونحن نعرف أن الاستثمار هو الذي يخلق الثروة وليس التسيير، وإذا كان هناك ضرورة للبحث عن مسؤول على ذلك أي عدم خلق الثروة في المجتمع فيجب البحث عنه في دواليب الدولة، وهو منها التي تخطط للاستثمار وللتسيير معا، العاطل الذي يتهكم منه القائد الحزبي لا يخلق ثروة مرغما لأن السياسة العامة التي شارك القائد في وضعها رمت به خارج دائرة الإنتاج، والمسؤول عن الشأن العام لا يخلق ثروة أيضا ولا يساهم من موقعه لكي تُخلق الثروة بل يأكل منها، وأكثر من هذا يتخذ قرارات سياسية واقتصادية لكي لا تخلق ثروة ولكي يبدد منها ما تحقق ويختلس وينهب، بطرق جهنمية منها حتى ما يغلف بالقانون مثل تقاعد البرلمانيين وقصة صندوق التقاعد والتضامن الاجتماعي ورفع الأسعار إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل و... و...
الشباب الذي شارك في بناء طريق الوحدة خلق ثروة، وخلقها بالتطوع لم يأخذ أجورا، وكانت هذه ثقافة سامية ولا تزال كامنة عند المغاربة نساء ورجالا، ومثل ذلك الكلام الذي سمعناه يقتلها ويدفنها، بينما من هو جالس في كرسي الشأن العام لا يخلق ثروة بل يتقاضى أجره وتقاعده وتعويضاته من جزء من الفائض الاجتماعي الذي خلق من طرف من يعمل وينتج الثروة.
المنتقدون للتطاول على المال العام بدون رقيب ولا حسيب لا يتكلمون عن راتب من يسير الشأن العام، ولا أحد قال لك اعمل فابور أو بيليكي أو بالمجان أو لله، هم وأنا منهم والأحزاب التقدمية والجمعيات الجادة والنقابات الحقيقية والجميع الذي حاولت أن تبعدهم عما سميتَه استهزاء بالمؤثرين الاجتماعيين يقولون لك إن تقاعد البرلماني ريع وإن التعويضات المتعددة تعسف وريع من الأحسن والأفضل إذا كنت تقوم بعمل للحصول عليها وليست ضمن عملك الذي تأخذ أجرا عنه أن تفتح الباب للشباب العاطل كي يقوم بذلك العمل وليس أن تستحوذ على كل شيء، وفي نفس الوقت أجور الموظفين الكبار ثقيلة جدا على المجتمع، أنت وأمثالك لن تحس بذلك لأنك مستفيد، لكن أغلبية الشعب تحس بوطأة أموال التسيير ليس بسبب صغار الموظفين والمتوسطين بل بكبارهم...
كثير من الناس الذين كتبوا في الموضوع انطلقوا من أن السيد حادَ حتى عما يفيد حزبه، خاصة وأن الانتخابات قادمة وأن ما قام به سقطة ألحقت ضررا بالغا بحزبه، لكن أنا لا أرى ذلك بل على العكس هو يعرف ما يقوم به، فهو من جهة يستميت من أجل ألا تمس مداخيله، بل يريدها أن تتضخم، ومن جهة أخرى هو يعرف أن الفئة المصوتة على الحزب لا تحتاج إلى أصوات فئات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأن جزءا منها خسره منذ مدة ولن يسترجعها، لذلك من الأحسن بالنسبة له العمل على تضخيم اليأس وتقوية كره العمل السياسي وسطها وهو عمل يأتي أكله، وقد سلك ترامب نفسه جزءا من هذا السلوك أي المراهنة فقط على أتباعه والهجوم على كل باقي الأوساط.
من المؤسف أنه ليس الوحيد الذي يخلق اليأس والتذمر وانغلاق الأفق في وجه المجتمع، بل كذلك كل من يستفيد من عدم الاستجابة لمطلب الفيديرالية الداعي إلى الانفراج السياسي وخلق أمل عند الشباب من أجل البناء ومن أجل خلق الثروة فعلا وليس بالكلام، لكن الاستفادة تقتضي عند هؤلاء دفع فئات عريضة من الشعب إلى الابتعاد عن السياسة ونشر أيديولوجيا زائفة عن أن السياسة ليست إلا كذبا وتلونا وبحثا عن الفتات، وفي نفس الوقت إغراق المجتمع في محاكمات عبثية لا طائل منها إلا المزيد من اليأس والإحباط بدل خلق الحماس بأفق سياسي واجتماعي والدخول في تنفيذه بدل الكلام المكرور...