رغم أنها العزل والمنع، وأنها الاختيار بين مُرّين، الحجر بين أربعة جدران أو الموت خنقا بين أنياب تاجها... منحتنا هاته الكورونا لحظات حلم بطعم الفرح، في الزمن الحنظل. وهي تكشف لنا وجها لم نكن نعرفه لرجال ونساء السلطة... الوجه الأمن والأمان وحماية حياة الإنسان، فهذا قائد يلتزم بدفع إيجار سكن أم وصغارها، طردتهم صاحبة البيت في عز كورونا، وهذا قائد يعيد مهاجرين لبيتهم مسددا بدلهم فاتورة الماء والكهرباء. وهذه امرأة قائد أُمّا للمدينة كلها... سخاء نفسي، عطاء رمزي، في لين حينا، وفي صرامة حينا آخر...
ولأننا المواطن الطيب السريع النسيان، صرنا نتخيل واقعا بديلا لنا، أكثر نبلا وكرما، راقيا معافى من أمراض الزمن ما قبل الكورونا... وقد هزمنا نحن المغاربة جميعنا قتلَ الجائحة لنا، العشوائي والمجاني، وأسسنا على أنقاضه مدنا وقرى تليق بحياة المواطن في أسمى وعيه بإنسانيته، حقوقه وواجباته، الإنسان الراعي كرامة غيره، المحافظ على مجال حياته المشترك نقيا جميلا، إنسان لا يخاف يومه وما يأتي به غده من مرض ولا علاج، وجوع ولا عمل يحفظ الكرامة...
وكمن كان يحلم، استيقظ على صفعة أسقطت أسنانه وأحلامه، يتمازج في أذنيه صراخ امرأة تهدم السلطة بيتها، وأزيز شاحنة نفايات تطحن حيا محسن، محسن فكري، قبل زمن كورونا...
يتمازج في أذنيه صراخ امرأة تهدم السلطة بيتها وأزيز شاحنة نفايات تطحن حيا محسن فكري قبل زمن كورونا
لا تقل لي المرأة المتوقف قلبها من قهر وضيم، خرقت القانون باتخاذها وأسرتها بناء عشوائيا سكنا؟ فهذا البيت سكنها قبل كورونا، فمن ذا الذي يغمض عينيه ليالي هجوم البنايات العشوائية على فراغات المدن وضواحيها... طبعا إغماض العين بمقابل مادي أو بأصوات انتخابية أو أصوات للضرورة...
تشظي أفق الانتظار... كورونا لا تستعجل الرحيل... والقوانين الردع والكمامات تتناسل... والناس بلا دخل يسد رمق الجوع، يتسللون من شقوق الحَجْر إلى العمارات والبيوت، يطرقون أبوابها، هذا حامل فوق كتفه قنينة يتظاهر بتعقيم الدرج والأبواب، وهذه تحمل سلة خضر أو بيض...
ولأنك خائف من جنون الجائحة، "تسأل لماذا لا تلتزم بالحجر؟"...