الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

ملاحظة وجيزة في نداء التوحيد والإصلاح

 
نجيب مهتدي
 
أطلقت حركة التوحيد والإصلاح (يوم الخميس 11 يونيو 2020) نداء للخروج من أزمة جائحة كورونا من جهة، والدفع بمسلسل التنمية الديمقراطية من جهة أخرى. وإذ أحيي أي بادرة تدعو للحوار والتوافق في إطار من الانفتاح الفكري كما ادعت الحركة منذ الديباجة او التوطئة لهذا النداء، أريد هنا أن أدعو أصحاب النداء لمراجعة البون الشاسع الذي يفرق بين البند الأول والثاني. فإذا كان الأول يفتح الباب واسعا للنقاش ولإثراء الحوار، فإن النقطة الثانية تسطر الإطار العام لأي نقاش أو حوار محتمل، ترسم حدودها داخل الحقل الديني، وتعتبر نفسها مسؤولة عليه، والآخرين مدينين لها بذلك.
الحركات الدعوية لم يكن لها أن تظهر ووباء كورونا يُواجَه بسلاح العلم والمعرفة الميدانية لا بترديد الأذكار التي لا تقوى على محاربة الفيروس
لقد أتت أول نقطة في النداء كما يلي: "بلورة إجابة وطنية جماعية، تشاركية وتشاورية بين مختلف القوى الحية ببلادنا، وعبر حوار عمومي واضح ومسؤول وذي مصداقية، مستند على الثوابت الجامعة، ولا حدود له غير المصلحة الوطنية العليا".
 
بغض النظر عن مقولة "مستند على الثوابت الجامعة"، التي تحيل على رزمة من المبادئ والقيم وإن لم تحدد معالمها ولا محتواها، جميل أن ندعو مختلف القوى الحية لحوار عمومي مسؤول وذي مصداقية، وما هو جميل أكثر أن ذلكم الحوار "لا حدود له غير المصلحة الوطنية العليا"... إذن هناك فضاء رحب ومفتوح للجميع. والواقع نحن في حاجة لهذا الحوار، الذي قد يدعو له كل مغربي غيور عن بلده ومواطنيه، لكن شرط أن يكون حوارا مؤسسا لمستقبل الجميع، وليس نظرة خاصة للمجتمع تدعي الانفتاح وتغلق الباب في وجه أطراف عدة من المجتمع.
 
وهكذا استوقفني البند الثاني لنداء حركة التوحيد والإصلاح، الذي أتى في الصيغة التالية: "ترسيخ الاستقرار المؤسساتي ببلادنا واحترام الثوابت الدستورية الجامعة للمغاربة، والتي تتميز بتبوُّؤِ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، باعتبار دورها في دعم استقرار الدولة والمجتمع، وفاعليتها في التنمية والإصلاح والنهوض".
 
هنا وجب الانتباه لربط الثوابت الدستورية "بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها"! هل هذه نتيجة عمل اللجنة التي أسند لها وضع هذا الدستور سنة 2011؟
 
الدستور، بكل ما فيه من مرجعيات قانونية وفكرية، بكل إحالاته على المراجع الثقافية والعقيدية واللغوية ونظم السلط والمؤسسات بما فيها استقلال القضاء واحترام الاحتكام لصناديق الاقتراع وترسيخ أسس الديمقراطية الحقة والمساواة وفق مقاربة النوع، لا ترى حركة التوحيد إلا مكانة الصدارة التي يتبوأها الدين في الدستور.
نحتاج كمجتمع لمرشدين اخلاقيين ولا نحتاج لمن يريد أسلمة المجتمع ويعطي لنفسه وحده الحقية في الانتماء للدين والدفاع عن مكتسباته
أعلم جيدا أن جمعية ذات بعد إسلاموي أو دعوي تبني قواعدها على الأصول الدينية، والدعوية، لا غرابة في ذلك. لكن محاولة إعطاء الانطباع أن حركة التوحيد والإصلاح فاعل مجتمعي ينادي بالاختلاف في الفكر والتعدد في مشارب السياسة والفكر وهو ما دفعه لإطلاق نداء وطني، أعتقد أن الأمر غير ذلك. كان عليه أن يتفادى هذه الوقفة التي تحد بشكل واضح من طموحه كفاعل جمعوي يروم تطوير المجتمع وترسيخ الفكر الديمقراطي.
 
بماذا سيجيب هذا النداء تيارا سياسيا يساريا أو تيارا فكريا حداثيا معولما أو جمعية نسوية تطالب بالمساواة في الإرث؟ هل الحركة واعية بإقصاء فرقاء عديدين من الحوار المنشود، زيادة على فرقاء دينيين آخرين لم يدخلوا في الصورة قط؟ هل تعمدت هذه الإشارة تحديد جهة معينة فقط ولو بخطاب يروم الشمولية!
 
قد يقول قائل إن الحركات الدعوية إجمالا أطبقت الصمت ايام الحزة، لعدم قدرتها على مواجهة ظاهرة الجائحة، التي تحمل الموت والخراب في أجنحتها. لم يكن لها ان تظهر والوباء يواجه بسلاح العلم والمعرفة الميدانية، لا بترديد الورد والأذكار، التي ربما تطمئن النفس لكنها لا تقوى على محاربة الفيروس. في ظروف كهذه يتجند الطبيب والممرض، والباحث والعالم للحد من مخاطر انتشار الوباء وتخرج الدولة خيرة أطرها وخدامها لضمان الأمن. قد يقول قائل إن هذه الحركة انتظرت أن تهدأ الأمور قبل أن تخرج ببيان يركب على الموجة لتقول إنها موجودة ولها دور في ما بعد الجائحة.
 
سررت لسماعي بنداء للحوار، إذ أومن بحتميته آجلا أو عاجلا، لكن سرعان ما صدمت بتجرار نفس الأسطوانة التي تعاقب عليها أجيال وأجيال لما يقرب من ألف سنة.
 
أعتقد أن مجتمعاتنا تحتاج لثورة أخلاقية وثقافية تعيد مبادئ الإنسية وقيم المحبة والتآزر للواجهة، في حاجة لتهذيب النفوس. نحتاج كمجتمع، في فترة تفكيك وتجدد، لمرشدين اخلاقيين بالمثل، ولا نحتاج لمن يريد أسلمة المجتمع من جديد ويعطي لنفسه وحده الحقية في الانتماء للدين والدفاع عن مكتسباته، وبالتالي احتكار الفعل الديني وفرضه فرضا على باقي الفرقاء السياسيين.
لا مكان لولي الله كما وصفه موليير نحن في حاجة لأولياء الله الحقيقيين ممن عاهدوا الله على خدمة شعبهم ويعطون المثل بحياتهم وتصرفاتهم اليومية
سأعيدها بدون ملل؛ ممارسة الشعائر الدينية مكانها الفضاء الخاص، أما العام فهو فضاء للمقارعة السياسية بالبرامج الاقتصادية والمالية، والصراع على السلطة يحتكم للصناديق ويجنح لاستمالة الناخبين بالعقل وبخطط عملية قد تنعكس حالا على معيشته اليومية. لقد أضاعت الحركة الدعوية هذا النداء في عز الحديث عن إيجاد سبل جديدة للتنمية واستدراك ما ضاع بالنسبة لباقي الأمم. اليوم لا حديث إلا عن ابتكار طرق حديثة للعيش الكريم، انقضى زمن الإيديولوجيات وانقضى كذلك زمن استعمال ما هو غيبي للسطو على ما هو ظاهر. انقضى زمن الحروب الصليبية، فالبشرية اليوم في مرحلة طفرة تاريخية تتكون تدريجيا. نحن على مشارف عالم جديد تلعب فيه الأفكار دورا طلائعيا وتتحكم في دواليبه آليات الذكاء الاصطناعي. كل الديانات بمفهومها المتعصب اندحرت أو في طريقها للاندحار، نحن في حاجة لجرعة قوية من الأخلاق ولتكن مستلهمة من ديننا يكون أحسن، لكن لا مكان بعد اليوم لولي الله كما وصفه موليير، نحن في حاجة لأولياء الله الحقيقيين أمثال أبو العباس السبتي، والقاضي عياض وغيرهم، أناس عاهدوا الله على خدمة شعبهم بنية خالصة لله، أناس يعطون المثل بحياتهم وتصرفاتهم اليومية. لهذا وجدت النداء أطلق في وادي جف سريره قبل أن يجف ماؤه الزلل.
 
المغرب تغير كثيرا في ظرف قصير، المغرب أصبح معادلة صعبة بمعطياته الجديدة، انشطار الخلية العائلية الواسعة والانتقال للعائلة المجزأة، تشكيلة السكان انقلبت وأصبح الشباب دون الثلاثين يهيمن على الهرم الديمغرافي، الفكر العملي قبل العلمي والتقني أخذ حيزا نافذا في الحياة اليوم، وتراجع بشكل ملحوظ الفكر الغيبي ومنطق اللاهوت.
 
آسف لوقوفي عند هذه النقطة التي ركز النداء عليها منذ البداية ونسبها للدستور كأسمى قانون في البلاد... وقفت عندها لمحوريتها في النقاش، وآسف أكثر لكون الحركة الدعوية ضيعت فرصة لخوض غمار حوارات جادة تدفع بعجلة البلد إلى الأمام خصوصا في المجال الثقافي والفكري، الذي يعتبر بحق مفتاح عوالم الغد.
===================
رئيس مختبر الدراسات السياسية والحكامة الترابية بكلية الحقوق المحمدية
رئيس مختبر الدراسات السياسية والحكامة الترابية بكلية الحقوق المحمدية