الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الفشل الحكومي.. آن لهذا الغمّ أن ينجلي عن حياة المغاربة

 
عزيز الفيلالي
 
السياسات قد تنجح وقد تفشل، كما ينجح ويفشل الإنسان، والأغلبية تتفق على فشل الحكومة، ولا يختلف المتتبع للمشهد السياسي والاجتماعي بالمغرب على أننا نعيش في أزمة سياسية وبنيوية، بل فشل نموذج مجتمعي كامل، تطلب من أعلى سلطة في الحكم طرح سؤال شيء ما ينقصنا؟!
 
فمنذ قدوم الحزب الحاكم للحكومة ونحن نعيش اللامعقول في السياسة والاقتصاد والمجتمع، اللامعقول هو أن الأغلبية ومنذ تحالفها وهي تجتمع لمناقشة أو تدارس أزمة ما أو حل مشكل ما، ليتبين في الأخير أنها ومنذ تحالفها وهي تجتمع من أجل حل خلافاتها وتجعل المواطنين والوطن يعانون من أزماتهم وبؤسهم اليومي، والمسكوت عنه هو زحف فكر أروغان الوافد الجديد لمجتمعنا المغربي، الذي يوازن بين المغرب التقليدي والحداثي المعاصر، والذي استعمر بفكر تركي مغلف في مشروع صامت وخفي ببرنامج عمل ذي أهداف قريبة المدى وهي المشروعية الانتخابية، بحيث يصبح البيجيدي الحزب الوحيد الذي يخرج من صناديق الاقتراع بأغلبية مريحة وشرعية يفرضها الناخب (جيش حركة الإصلاح والتوحيد بمعية الفقراء المنصوب عليهم باسم الدين)، خدمة لأهداف الحزب على المدى البعيد أخونة الدولة والمؤسسات عن طريق التحكم في الاقتصاد بإغراق البلاد بالمنتوجات التركية ونشر الفكر التركي عبر القنوات التلفزية والمدارس الخاصة بحكم أن جل أصحاب مؤسسات التعليم الخصوصي منتمين للبيجيدي أو لحركة الإصلاح والتوحيد أو مستثمرين أتراكا في غلاف شراكات مغربية، مما يعني أن هناك سلوك نظام أردوغاني يتسلل بهدوء لمجتمعنا المغربي.
 
والحقيقة الأكيدة الْيَوْمَ بالإضافة الى زحف فكر الأردوغانية الإخوانية هي أن هناك شيئا ما ينخر الديمقراطية من الداخل بالمغرب ويريد إفشال الاختيار الديمقراطي وهدم دولة المؤسسات، فالإخوان لا يعترفون بالدولة والوطن، والفكر الإخواني يعترف بالإسلام أولا (إسلامهم هم)، والجماعة أولا (جماعتهم هم)، وليس الوطن أولا!
 
إن ما ينقصنا هو الثقة أولاً في الوطن والمؤسسات، وليس فقط محاربة الفساد بداخلها، بل جيوب المقاومة كما نعتهم حزب عمر والمهدي وبوعبيد واليوسفي سابقا، أولئك الذين يقاومون التغيير والتقدم والاختيار الديمقراطي وتعزيز الديمقراطية بالبلاد التي يفترض أن تكون ثقافة متأصلة لدينا ونتاج مسار مجتمعي وجب دعمها، والدليل هو ما نعيشه الْيَوْمَ من غضب للجماهير الشعبية في غياب نخبة قيادية، على غرار الأمس القريب الذي عشنا فيه تمرد النخبة وصمت الجماهير لنجد أنفسنا الْيَوْمَ أمام جيل من الضباع الذي تنبأ به السوسيولوجي المغربي محمد جسوس ذات يوم.
 
نحتاج اليوم في السياسة، كما الثقافة، لسياسي مثقف وجريء، ومثقف سياسي قوي يستطيع الإقناع بآرائه لحل مشاكل المواطنين التي تبقى حاجيات بسيطة لا تخرج عن الصحة والتعليم والشغل، حتى نستطيع طرح التساؤلات المحورية والموجهة للتغيير وصياغة الأجوبة المقنعة لترسيخ بناء الدولة والمؤسسات وتعزيز السيادة الشعبية في ظل ملكية دستورية ضامنة للديمقراطية وتفصل بين الفاعل الحكومي والمواطن في الحقوق والواجبات، باعتبار أن الملكية بالمملكة هي عقد اجتماعي ضمني بين الملك والشعب.
 
فالمغرب حضارة وتاريخ عريق صحيح، لكن ليس في الديمقراطية وحقوق الانسان حتى تتضح الرؤى، ولكي أكون منصفا للتاريخ، المغرب حديث العهد في الممارسة الديمقراطية ولا يزال الطريق شاقا لاستكمال دعائمها وترسيخها ليصبح نموذجا يحتذى به، خصوصا وأن الشعوب تقاس ليس بالزمن السياسي بل بالزمن التاريخي.
 
لذا، فالمسلسل الديمقراطي بالمغرب لا يزال فتيا ويحتاج منا العمل لحماية المكتسبات التي تراجعت منذ تحمل البيجيدي رئاسة الحكومة سنة 2011 لأنه أتى بفكرة الدين هو الحل ليجد نفسه سببا في جل الأزمات التي يعيشها المواطن الْيَوْمَ, وظهرت تجلياتها للعيان في زمن الكوفيد، الذي أعتبره كاشفا للمستور، جاء مع صياغة نموذجنا التنموي المنتظر، وليبرز أن الطريق ليست معبدة أمام قوى التقدم لاستحقاقات 2021، لهذا وجب الترافع اليوم لإيقاف زحف الفكر الإخواني باعتباره تسبب في تراجعات كبرى على جميع المستويات وكلف المغاربة دفع فاتورة غالية الثمن داخليا وخارجيا، ووجب عليه الرحيل لأن المسبب للمشكل فاقد لحل الأزمة، فالمواطن الْيَوْمَ معني بالإسهام في الترافع ضد من كان سبب مشاكله بعد 2011 والاستمرار في النضال من أجل حشد مكتسبات جديدة وتعزيزها حتى ننجح في صناعة المغرب الأخر الممكن.
 
ما نحتاجه الْيَوْمَ هو حركة سياسية جديدة يكون الشباب فاعلا أساسيا داخلها بل وحتى وقائدا لها بغية اقتراح بدائل ومخرجات للانتقال من تدبير أزمة إلى تدبير أزمات خانقة للمواطن والوطن ليس فقط على مستوى السياسة والاقتصاد، وإنما هندسة السياسات العامة والعمومية والسهر على تنفيذها بجودة ونجاعة للرقي بالخدمات المقدمة للمواطن الذي يطمح للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لكي نحيا في مجتمع لا تسوده الفوضى بل يحكمه القانون ويسوده العدل الذي هو أساس الملك.
 
فاللامعقول واللامعنى هو أن يبقى الشباب هو الحل المسكوت عنه، أو الحل المهمش، والمخرج اليوم هو إخراج هذا الحل من التهميش، ليلعب دوره كاملا في بناء مغرب الغد الممكن...
 
إن السياسة تُبنى على الوقائع لا على التوقعات والتخمينات، التي كان ينصب علينا بها الفائز الكبير بالتقاعد السمين ومعه الطبيب النفسي الرئيس في حكومة تتقن سرقة جيوب المغاربة وتمديد سنوات تقاعدهم... آن لهذا الغم أن ينجلي عن حياة المغاربة...
 
طالب باحث في السوسيولوجيا