سبق للصديق عمر الشرقاوي أن اتخذ مبادرة تنسيق اللجنة، التي تكلفت بجمع التوقيعات بخصوص إحداث صندوق خاص لدعم مرضى السرطان، وهي العريضة التي استطاعت جمع آلاف التوقيعات في ظرف قياسي، وحازت على دعم كبير من طرف المغاربة، وهم لمّا دعموا المبادرة فلأنهم أحسوا أنها قريبة منهم، بدون خلفية سياسية.
ومن خلال قراءة التفاعلات مع عريضة الحياة، يمكن استخلاص ستة دروس مهمة في هذه المعركة الاجتماعية من أجل الوقوف إلى جانب معاناة ومآسي جزء من المغاربة، المرضى بالسرطان:
1- العريضة وواقعية الفعل الافتراضي
لقد شكلت عريضة الحياة امتحانا جماعيا لكل من دعم المبادرة، ليس فقط على مستوى جمع التوقيعات، لكن من حيث إخراج المبادرة من العالم الافتراضي إلى الواقع، ويمكن القول، بدون مبالغة، إنه بعد حدث عشرين فبراير، الذي نقل الاحتجاج من الفايسبوك إلى الواقع، إلى شوارع المملكة، تُعتبر العريضة ثاني حدث يعكس بشكل ملموس قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على التأثير المادي الملموس، وعلى صنع الحدث في الواقع، وليس فقط جمع اللايكات، وهو ما يجب الانتباه إلى أن الرأي العام الافتراضي يمكن أن يتحول إلى قوة تأثير ملموسة عندما يجد نفسه أمام مبادرات حقيقية وعملية، تلامس واقعه ومعيشه.
2- العريضة أول تفعيل شعبي للدستور
العريضة كانت امتحانا للدستور، وأول تفعيل شعبي لمواده، خاصة منها ما يتعلق بالعرائض. وعليه، يمكن القول، بالوضوح اللازم، إن بعض الأعطاب التي نتحدث عنها ليست نتيجة مضمون الدستور، بل هي نتيجة الممارسة الدستورية التي إما أن تكون متحايلة ومعطلة له، أو تكون غير مستثمرة بشكل إيجابي للإمكانيات الكبيرة التي يتيحها والتي تحتاج فقط الي إلتفعيل وإلى ممارستها.
3- العريضة أول تفاعل مؤسساتي شعبي
رد الحكومة، كيفما كان مضمونه، فهو يخلق ممارسة مؤسساتية جديدة بين الأجهزة المنتخبة والسلطة التنفيذية وبين الشعب والمغاربة، ممارسة تخلق إمكانية الترافع المباشر لدى هذه المؤسسات، والتي تكون ملزمة بالرد طبقا الدستور، لقد كان السلوك الحكومي من الناحية الشكلية محددا في تطوير هذه الممارسة وتقويتها...
4- العريضة أول تنبيه موجه للأحزاب
لابد من ملاحظة حجم الالتفاف حول لجنة العريضة، هذا الالتفاف هو أول تنبيه موجه إلى الأحزاب السياسية، وإلى مختلف مؤسسات الوساطة التقليدية، التي يحكمها خياران: إما أن تتجدد أو ستجد نفسها على هامش المجتمع، وغير قادرة على تأطيره، إذ إن الأحزاب السياسية هي من كان عليها أن تمارس الدستور، وتعطيه معنى مدنيا، بدل ان تساهم في خنقه كما يحدث الآن... العريضة هي عنوان على وجود، أو بالأحرى ميلاد وسائل بديلة للتأطير والتأثير والتعبئة من داخل المؤسسات بدون الحاجة إلى برلماني أو قائد سياسي أو حزبي...
5- العريضة تفعيل للرقابة الشعبية
العريضة بتأثيرها وزخمها الذي خلقته تشكل مؤشرا إلى إمكانية تفعيل الرقابة الشعبية بشكل دستوري، وأن الاحتجاج على وضع معين والتأثير فيه إيجابا وطرح البدائل وإيصالها للمسؤولين محليا وجهويا ووطنيا هي إمكانية متاحة، هذه الرقابة في ظل تعطل الرقابة البرلمانية قد تكون مزاحمة مع الوقت للمؤسسة التشريعية.
6- العريضة حافز للتسجيل في اللوائح الانتخابية
لقد أثبتت العريضة أن التسجيل في اللوائح الانتخابية ليس ترفا سياسيا ولا عنوانا عن انخراط في لعبة سياسية هناك الكثير مما يمكن أن يقال عنها، معركة العريضة هي معركة كل المغاربة ممن لديهم حق الانتخاب، وبالتالي، ومادام ان التسجيل في اللوائح الانتخابية هو شرط لقبول العريضة شكليا، فقد أثبتت المبادرة أن عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية باتت مسألة أساسية وملحة، كعنوان لممارسة ةالمواطنة، إذ تتيح إمكانية ممارسة كافة الحقوق المدنية والسياسية، التي يقرها الدستور، ليس فقط التصويت والانتخاب، بل من خلالها يمكن أن تكون ممرا دستوريا قويا لإيصال صوت المغاربة لمختلف المؤسسات.