استهداف نبيلة منيب يهدف إلى هدم ما تبقى من معارضة وممانعة
الكاتب :
محمد نجيب كومينة
محمد نجيب كومينة
استمعت لحديث نبيلة منيب، الذي أثار الكثير من ردود الأفعال، واستُعمل استعمالا خبيثا من طرف الجهات، التي قررت، في ما يبدو، قتل نبيلة رمزيا، ومعها حزبها وما تبقى من اليسار، في إطار ميل متعاظم، منذ سنوات لإفراغ الساحة السياسية من كل تعبير معارض خارج التأطير البوليسي والمخزني وخلق الفراغ، بحيث لا يبقى المجال مفتوحا إلا لمن يسبّحون بكرة وأصيلا بالمخزن، ويلهثون وراء ما يتصدق عليهم به من بقايا وفتات، ولا يبقى من التعددية التي تأسست ببلادنا في عهد الحجر والحماية وتم ترسيخها بنضالات مريرة وصمود أجيال من المناضلين الوطنيين والديمقراطيين الشرفاء في مواجهة مختلف الإعصارات، التي هدفت إلى اجتثاتها، لا يبقى منها إلا قطع ديكور تؤثت مشهدا قائما على تزوير كل شيء، وليس الانتخابات وحسب، تروم خداع الخارج وليس الشعب المغربي، الذي لم يعد البعض يعيره أي اعتبار ويراهن على إرشاء هؤلاء وسجن أولئك بتهمة واحدة مشوّهة للسمعة لإعادة الانسجام إلى من يعتبرونهم قطيعا.
لست متفقا مع ما قالته منيب، وليست هذه هي المرة الأولى التي أختلف فيها معها، لكنني أعرف حدودي، لأنني أمام رأي لعالمة حقيقية لها تخصص دقيق في المجال الذي تتحدث عنه، ولست ممن يتطاولون على العلماء بالفذلكات وإطلاق الكلام على عواهنه، وأمام رأي متداول في الوسط العلمي والطبي المتخصص منذ بداية الجائحة، وليس اجتهادا شخصيا معزولا لنبيلة منيب، وليس بمقدوري أو بمقدور من لا يملك نفس معرفة ومناهج أصحابه دحضه هكذا بجرة قلم أو بكلام سائب، حتى لو شعر أنه يختلف مع ارتساماته أو الرأي الذي كونه بناء على اجتهادات ورأي علماء الجهة المقابلة.
وعدا ذلك، ومن خلال تتبعي للنقاش العلمي الجاري حول كورونا الذي يحركه الفضول والترقب أكثر من أي شيء آخر، فإنني مقتنع أن الموضوع يستمر في إثارة الجدل، وأن هذا الجدل يجري تحت ضغوط مختلفة، بما فيها النفسية التي كان باشلار سباقا إلى استحضار أثرها في مسيرة العلوم، وكذلك توماس كون الذي ترك لنا مفهوم البراديغم، ولا يمكن الحسم فيه إلا بعد وقت طويل ربما، وبعد الكشف عن كثير من المعطيات غير المتوفرة أو المحجوبة.
لقد نجح المخزن في خلق حالة من التشويش على منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي انتميت إليها وكنت من الجنود الذين بذلوا الكثير لدى تأسيسها وخسرت الكثير بسبب ارتباطي الروحي بها، واستعمل لممارسة ذلك التشويش من اكتشف الجميع أنهم كانوا يشيرون يسارا لينعطفوا بمن تبعهم في اتجاه اليمين، ومن المؤسف أن ذلك التشويش قد تمكن من التسرب إلى جسم المنظمة، وكانت النتيجة أن أصابها في مقتل، ووجدنا أنفسنا بعد مسار من العمل والتضحيات كالأيتام يبحث كل واحد منا عن طريق عودة إلى الأصل، وبعيدا عن القراءات المبتسرة والذاتية لهذه التجربة، فإن الانشقاق كان ناتجا عن ذلك التشويش وما تلاه من تشويش ذاتي وليس عن موقف من الدستور شكل نهاية معارك عبثية وردود فعل ذاتية لسنوات.
استحضرت تجربة المنظمة لأنبه مناضلي الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار، التي آمل أن تخطو ولو خطوة رمزية نحو الاندماج، إلى خطورة التأثر بالتشويش الذي انطلق قبل الانتخابات المقبلة، لأن النتيجة ستكون أسوأ مما حصل في المنظمة في ظروف مغايرة ضعف فيها حلفاؤنا السابقون أو انحرفوا، وتخلت فيها النخب عن دورها، واستهداف نبيلة منيب ليس شخصيا فقط، وإنما يهدف إلى هدم بيت من بيوت ما تبقى من معارضة وممانعة.
أحذر قبل فوات الأوان، و"أطالب" كمواطن بإعادة توجيه النقاش داخل اليسار إلى المجرى الذي يجب أن يسير فيه طبيعيا للحفاظ على شعلة أمل.