الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

هل بإمكان عقوبة الإعدام أن تحقق الردع؟

 
نوفل البعمري
 
أعتقد أن عقوبة الإعدام، حتى لو طبُقت في حق من سيثبت ارتكابه للجريمة النكراء التي هزت مدينة طنجة، وخلفت موجة استنكار قوية من لدن المغاربة، لن تحقق الردع المطلوب، ولن توقف جرائم الاغتصاب الجنسي أو الاغتصاب المقرون بالقتل. ولو كان الأمر كذلك، لحققته هذه العقوبة، مادام القانون ينص عليها في مثل الجرائم التي ارتبكت في حق الطفل عدنان.
في الولايات المتحدة الأمريكية، تطبق عقوبة الإعدام في عدة ولايات، لكن هل أصبحت هذه الولايات خالية من مثل هذه الجرائم؟
السعودية ونقيضتها إيران تطبقان بدورهما القصاص، من خلال الحدود بالسيف، فهل تحقق فيهما اختفاء الجرائم، رغم تطبيقهما لهذه العقوبة من قبل السياف؟
إن العقوبة، أحد المؤشرات التي يمكن من خلالها التعبير عن حالة تقدم أي مجتمع ودولة، وهي أيضا تعبير عن طبيعة القيم التي تسود المجتمعات.. وعندما نشاهد حالة الهيجان العاطفي في وسائل التواصل الاجتماعي، وتغذيتها من قبل بعض من كانوا بالأمس يصطفون في صف الحداثيين والمدنيين، يجعل من الإشكال، أبعد من أن يكون متعلقا فقط بتطبيق عقوبة، أياً كانت هذه العقوبة.
لقد توقف المغرب منذ سنة 1993 عن تنفيذ عقوبة الإعدام، رغم الأحكام الصادرة بهذه العقوبة، مما يطرح سؤالا حول الجدوى من المطالبة بحكم لا يُنَفَّذ، اللهم إذا كان فقط لإرضاء حاجة نفسية داخل المجتمع.
لنكن أكثر وضوحا.. فلا شيء تغير، بين الأمس واليوم، من الناحية الحقوقية الصرفة، حتى أغير موقفي من عقوبة الإعدام.. فمثلما كنت ضدها بالأمس، فأنا اليوم كذلك، لأنها لن تحقق الإنصاف، ولن يشعر معها، لا المجتمع ولا أسرة الطفل الضحية، بأنهم حققوا العدالة، خاصة إذا كانت عقوبة الإعدام لم تُنفذ، ولن تنهي مع البيدوفيلية التي لا يكمن حلها إلا في إعادة التربية وتقويم المجتمع من كل اعوجاجه النفسي ومن كل أعطابه المتراكمة، حتى لا يعيد لنا إنتاج بيدوفيل يمارس ساديته المرضية على أطفالنا.
إن البيدوفيلية انعكاس لخلل أخلاقي وقيمي، وليس لخلل قانوني.. لأنه بالرغم من وجود عقوبة الإعدام في النص القانوني، فهي لم تردع مرتكبي هذه الجريمة. وبالتالي، يجب علينا النظر في الكثير من القيم الأخلاقية ومنها:
الحداثيون الذين يطالبون بعقوبة الإعدام، المنساقون وراد الهيجان العاطفي في وسائل التواصل الاجتماعي.
الذين يطالبون، تحت مسمى تطبيق العدالة، استنساخ تجربة السياف بالسعودية وإيران.
الذين يختبئون وراء هذه الجرائم للترويج للأصولية الدينية السياسية.
الذين لا همّ لهم بتطبيق القانون، بقدر ما يهمهم استغلال الحدث للترويج لثقافتهم الدينية المتطرفة.
لكل أولئك، أقول، إن عقوبة الإعدام لن تحقق الردع، ولا الإنصاف... لأن علاج البيدوفيلية ليس في القانون، وإنما في إصلاح المجتمع وإعادة صياغة قيمه على أسس أخلاقية مدنية ومتمدنة.
 
محام وباحث في ملف الصحراء