الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

اليوسفية ولعنة الماء الملوث.. رحلة طويلة من سبت الرحمة إلى سبت الجحيم

 
نورالدين الطويليع‎
 
يرتبط السبت في القرآن الكريم باللعنة، التي حلت ببني إسرائيل، وصار توصيف "أصحاب السبت" مقترنا بفئة منهم خالفت الأمر الإلهي بعدم الصيد يوم السبت، واحتالت على ذلك بطريقتها الخاصة.
 
في واقعة ماء الشرب الملوث الذي جلبه مكتب الماء إلى مدينة اليوسفية من محطة المعالجة بـ"سبت المعاريف"، وحرم سكانها من ماء بحيرة الخوالقة الباطنية الواقعة بتراب جماعة سبت الخوالقة، في هذه الواقعة تقفز إلى ذاكرتنا لعنة السبت اليهودي، بعد أن وجدت المدينة اليتيمة نفسها بين سبتين، الأول سبت رحمة طردت منه مذمومة مدحورة، والآخر سبت جحيم حشرت فيه حَشْرَ المنبوذين المقهورين، الأول كانت تتزود منه بسقيى رحمة، والثاني تجرعت فيه شراب العذاب الشديد الذي جعل أبناءها يتلقون، كلما هم بهم العطش، صفعات الفضلات المنزلية، والمخلفات الصناعية، وروث البهائم، وعطن السابحين، ونكهة اللحوم المتحللة للحيوانات النافقة، وهلم شرا من ألوان لعنة سبتية لا ريب فيها.
 
تشابهت الوقائع وتماهت بما لا يفتح مجالا للشك في أننا نحن - سليلي يتيمة المدائن - ورثة شرعيون لأصحاب السبت، أخذنا عنهم اللعنة الشاملة، واقتسمناها في ما بيننا بالعدل، فنال كل منا نصيبه المصبوب من صنبورٍ قيل له ابلعْ ماءك السلسبيل، وارم إليهم ماء ساقية بنكهة الموت والزقوم والحنظل لعلهم يتذكرون أنهم لابثون في العذاب المهين.
 
أي ذنب هذا الذي اقترفناه، فقهقرنا إلى رتبة القردة الخاسئين؟، لم نَتَحَدَّ نداء رب السماء، ولم نكفر بنداء أرباب الأرض، نحن ـ أبناء اليتيمة المسالمين ـ الذين عاهدنا أنفسنا أن نكون في منتهى الوداعة، فلم نرفع عقيرتنا للاحتجاج على إساءات من نهبوا وسرقوا وبذروا، ومن قرصنوا ورَحَّلوا كل ما هو قابل للترحيل، وبعثروا ما دون ذلك، وعاهدنا أنفسنا أن نلتزم "فضيلة الصمت"، وألا نسمح لألسنتنا بالحديث عن أمر تهميشنا واحتقارنا إلا ما كان همسا، معدين ذلك قدرا مقدرا لا مناص من مواجهته بالصبر، فمنا من قضى نحبه وهو كذلك، ومنا من ينتظر على وقع لعنات السبت التي لا ترحم.
 
ونحن نصطرخ في عذاب السبت الرجيم، ربما لم يبق لنا إلا أن نردد جميعا: "ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون"، وإن لم نفعل، فلننتظر مزيدا من العذاب المصبوب، وكثيرا من اللعنة السبتية التي تتولى آلهةُ الماء صبها علينا صبا صبا، ومن ورائها تصطف شياطين الكذب والتنطع والمزايدات الفارغة، والارتماء في القذارة الظاهرة والباطنة، بدوغمائيتها وتخلفها، لتزيد نفسَها وإيانا منسوبَ العذاب اللعين...
 
كاتب وفاعل مدني