الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

في ظل ضعف سفير المغرب بأذريبجان.. نظام كابرانات الجزائر يحرّك مناوراته لاستمالة باكو

 
تحليل: جلال مدني
 
يزداد الصراع الجزائري مع المغرب على الواجهة الديبلوماسية استعارا، وتتعدد ساحات المواجهة، حيث يتلقى فريق رمطان العمارة في نظام الكابرانات هزائم متتالية، في أوروبا وأفريقيا وأمريكا وآسيا، بفضل ديبلوماسية مغربية حيوية مبادِرة فاعلة وقوية، يشرف عليها، بصفة شخصية، الملك محمد السادس، ويباشر مهامها وزير تميز بجديته وجدارته، يتحرك مع فريق من الديبلوماسيين الأكفاء وذوي المصداقية، سواء في الإدارة المركزية، أو في عدد من المواقع الإقليمية والدولية والأممية... لكن، بالمقابل، هناك سفراء مغاربة في عدد من المواقع أثبتوا فشلهم، لانعدام الكفاءة، أو غياب المسؤولية الوطنية، الذي يتمظهر في الغرق المرضي في تلبية مصالح خاصة، أو اللهث وراء الأهواء والنزوات، فيتركون الساحة متاحة لحصد الهزائم أمام ما من يطلقون على أنفسهم صقور الديبلوماسية الجزائرية...
 
من بين هذه الساحات المتاحة لنظام الكابرانات، نجد وِجهة أذربيجان، التي حل وزير الخارجية الجزائري رمطان العمارة بعاصمتها باكو، خلال الأسبوع الجاري، حيث سيلتقي بوزير خارجيتها جيهون بيراموف، قبل أن يستقبله رئيسها إلهام علييف يوم الأربعاء 10 غشت 2022... ويأتي ذلك في إطار خطة استخباراتية جزائرية لإغراء باكو بالعديد من "المزايا" و"العطايا"، مقابل أن يغيّر النظام الأذربيجاني لموقفه من قضية الصحراء المغربية. بينما نسيت الجزائر أن أذربيجان تعاني بدورها من مشكلة الانفصال، وتبحث عن تأييد مغربي لوحدتها الترابية.
 
وبالفعل فان الدبلوماسية المغربية تظل وفية لمواقفها التاريخية المؤيدة للوحدة الترابية لأذربيجان المعبر عنها في إطار حركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي التي يعد المغرب من أهم مؤسسي المنظمتين.
 
فكيف حدث ما حدث في باكو؟ وما هي خلفيات ما حدث في باكو؟
 
وهنا، نعود إلى البدء، فبعد تلقي الجزائر الهزائم المتتالية وتراجع مواقعها في الاتحاد الأفريقي ومع الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، ومع الولايات المتحدة الأمريكية، شرعت الجزائر في البحث عن مواقع أخرى للاختباء تحت ظلالها، ولحفظ ماء وجهها، الذي سال مدرارا بسبب التدابير البائسة والإجراءات التهوّرية التي يرسم طريقها العسكر لينفذها الرئيس المزور، حتى أصبحت صورة الجزائر في الحضيض كدولة مارقة، تهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين، وترعى الجماعات المسلحة، وتدعّم ميليشيات إرهابية، من البوليساريو إلى حزب الله...
 
من المواقع التي فرّت إليها الجزائر في محاولة لأن تلوذ بها، ما أشار إليه "الرئيس المزوّر اللي جابوه العسكر"، في لقائه الإعلامي الدوري الأخير، بخصوص توجّه الجزائر نحو الانضمام إلى مجموعة "البريكس"، وهي مجموعة اقتصادية تتشكّل من الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، إضافة إلى توجّه سياسي، هو ما يهمّنا، هنا، ويتعلّق الأمر بمجموعة أو حركة دول عدم الانحياز...
 
هذا التوجّه هو ما دعا كابرانات الجزائر إلى التركيز، في الفترة الأخيرة، وبشكل كبير، على أذربيجان، باعتبارها هي الرئيسة الحالية لحركة عدم الانحياز...
 
وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بايراموف في استقبال لسفيرة الجزائر سليمة عبد الحق (يسار)
 
وكانت أول خطوة، في هذه الطريق، هي تعيين ديبلوماسية جزائرية نشيطة في المجال الاستخباراتي، "كـطّير مع الطيور"، كما يُقال، اسمها سليمة عبد الحق، وفي فترة وجيزة، خصوصا أمام الأداء الضعيف والباهت لسفير المغرب في باكو، الملقب بالسفير الفاشل، الذي لم يحقق أدنى بذرة من النجاح في الحفاظ على المواقع المتقدمة، والمعروف بغيابه عن الساحة الدبلوماسية والسياسية والثقافية والإعلامية الأذريبجانية، التي كان فتحها ناصر بوريطة، في بناء علاقات ممتازة ومثمرة بين الرباط وباكو، إلى درجة أن أذربيجان، رغم جميع المناورات الجزائرية، أعلنت، بكل وضوح، عن تأييدها لجهود المغرب من أجل استعادة حرية التنقل المدني والتجاري في معبر الگرگرات، ولتشدد، في بيان رسمي لوزارة خارجيتها، على أن "أذربيجان تعرب عن دعمها للسيادة الترابية للمملكة المغربية ووحدتها".
 
فرق شاسع بين استقبال الرئيس الأذربيجاني للمايسترو بوريطة أعلاه وبين استقباله للعمارة أدناه
 
حدث هذا في دسمبر 2021، وبين هذا التاريخ وبين اليوم، ونحن في شهر غشت 2022، سالت كثير من المياه تحت الجسر، فبوريطة وفريقه لديهم الكثير من العمل والكثير من المعارك والكثير من الواجهات والمواجهات، ولا يمكن لهم أن يتركوها جميعا و"يبقاوا حاضيين غير أذربيجان"، إذ يُفترض أن هذا الدور الوطني واليقظ والمتيقّظ يقوم به السفير، لكن مع الأسف، تحوّلت باكو إلى ساحة مواجهة غير متكافئة، بين سفير ضعيف ومهزوز غير ذي كفاءة، بلا خطط ولا استراتيجية ولا تكتيك.. وبين سفيرة حركية حيوية، تتحرّك هنا وهناك، وتستقطب النخب المحلية السياسية والاجتماعية والثقافية، حتى تمكّنت من صنع موقع أكثر تقدّما للجزائر في أذربيجان، وشكل عاملا أساسيا في ما جناه العمامرة من باكو هذا الأسبوع...
 
المثير، هنا، أن النجاح الباهر للسفيرة الجزائرية سليمة عبد الحق، أهّلها لأن ينقلها الكابرانات، مؤخرا، إلى ساحة أخرى أكثر حساسية في مواجهة المغرب، وهي هولندا، لتقود فيها وتؤطّر عمل الاستخبارات الجزائرية في أوساط الجالية المغربية، والإشراف على عمليات التجنيد، التي تستهدف بعض العناصر الانفصالية المتحدّرة من منطقة الريف...
 
لقد تركت السفيرة الجزائرية سليمة عبد الحق، في الساحة الأذربيجانية، تربة مهيّأة لمزيد من الاستقطاب، والدفع بهذه الساحة في اتجاه إبعادها عن المغرب واستمالتها إلى مواقف الجزائر، وهذه هي المهمة، التي كُلّف خلفها، السفير عبد الوهاب عثمان، بمتابعتها، والتي أوصلت إلى هذه المحطة، التي استقبل فيها الرئيسُ الأذربيجاني وزيرَ الخارجية الجزائري، وقد كانت مهمة يسيرة، في غياب سفير مغربي ندّ يكون بقامة سليمة عبد الحق وبمستوى عبد الوهاب عثمان...
 
ورغم هذا الفشل المغربي والنجاح الجزائري في ساحة باكو، فإن هذا المخطط، الذي ينفّذه العمامرة، يكشف أن نظام الكابرانات يلعب في الوقت بدل الضائع، إذ مازال ينتمي إلى "أهل الكهف"، ويريد أن يُحيي العظام وهي رميم (!!)، بإطلاق شعارات عن آليات جديدة مزعومة من أجل "زيادة دور حركة عدم الانحياز على الصعيد العالمي"، والوصول إلى "أهداف وإنجازات حركة عدم الانحياز الجديدة"...
 
الجزائر، برهانها على حركة عدم الانحياز، تريد أن تلوي عنق التاريخ... إن هذه الحركة، التي يعود تأسيسها إلى تداعيات الحرب العالمية الثانية، وشكّلت محاولة "ملتبسة" بزعم عدم الانحياز إلى طرفي الحرب الباردة، التي تصاعدت بين المعسكر الغربي (بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو) وبين المعسكر الشرقي (بقيادة الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو)...
 
معنى ذلك أن قيادات النظام العسكري في الجزائر، التي شاخت وهرمت وبلغت من الكبر عتيّا، مازالت تعيش زمن الحرب الباردة، بعقلية الحرب الباردة، التي تهاوت مع انهيار "المعسكر الشرقي"، ليتحوّل العالم إلى نظام دولي جديد، يقوم على هيمنة القطب الواحد، وتمثّله الولايات المتحدة الأمريكية.
 
وبحكم أن العسكر هم الحاكمون الفعليون للجزائر، وأن الدولة تفتقر إلى استراتيجية دولتية واضحة للحكم بالنظر لغرق حاكميها الجنرالات في سطح وبلادة ظرفية المخططات والتكتيكات، فإن الملاذ الوحيد المتبقي لنظام الكابرانات هو الهروب إلى الأمام، بالهروب إلى تجمّع ينتمي إلى الماضي، بلا أفق ولا مستقبل في الحياة السياسية الدولية، إذ، اليوم، عدم الانحياز لمن، وضد من؟!!!
 
ومع ذلك، فالكابرانات حرّكوا العمامرة، وحركوا صقورهم نحو هذه الدولة القوقازية الواقعة بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية، وشرعوا يزيحون المغرب من المواقع التي بناها بوريطة، الذي لم يترك وراءه في باكو من هو مؤهّل للدفاع عن تلك المواقع، وحمايتها وتنميتها، والظاهر أن كل ما يفعله السفير المغربي، اليوم، هو أن يتفرّج على ما يجري، ويتابع استقبال رئيس أذربيجان، إلهام علييف، لرمطان العمامرة، يوم الأربعاء، وبحسب بيان الخارجية الجزائرية، فقد سلّم العمامرة رسالة خطية من الرئيس الجزائري لنظيره الأذربيجاني، الذي "أعرب عن امتنانه وتقديره لالتزام الجزائر ودعمها الثابت لجهود ومبادرات الرئاسة الأذربيجانية الحالية لحركة عدم الانحياز"، كما أكد "تطلعه إلى زيارة الجزائر، والعمل مع الرئيس الجزائري لفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين في جميع المجالات، وحرصه على تعزيز التشاور والتنسيق بينهما خاصة في مجال الطاقة، حيث تعد الجزائر وأذربيجان من أبرز مصدري الغاز". وبحسب البيان ذاته، فقد "اتفق الطرفان على توطيد التعاون بين البلدين في شتى المجالات".
 
وقال البيان إن رمطان العمامرة "أجرى محادثات ثنائية على انفراد مع نظيره الأذربيجاني جيهون بيراموف، تلتها جلسة عمل موسعة خصّصت لبحث واقع وآفاق علاقات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها في جميع المجالات"، وأن الوزيرين "استعرضا، بهذه المناسبة، الأوضاع الأمنية والسياسية ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الدولي والإقليمي، مؤكدين على ضرورة تكثيف التشاور بين البلدين بحكم دورهما الريادي في إطار المنظمات التي ينتميان إليها على غرار منظمة الأمم المتحدة، حركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي بالإضافة إلى تكتل (أوبك +) ومنتدى الدول المصدرة للغاز، خاصة في السياق الراهن للعلاقات الدولية"...
 
قد يسأل سائل: وما موقع الديبلوماسية الأذربيجانية من هذه التحركات الجزائرية، خصوصا أن عدة مصادر من المعارضة الجزائرية أفادت أن العمامرة طرح قضية "الصحراء الغربية" على نظيره بيراموف، وزادت موضّحة أن خطط العمامرة تعرّضت لبعض الانتكاسة، إذ سعت الخارجية الأذربيجانية إلى تضمين البيان المشترك عبارة تدقّق في حدود ما ورد في البيان من تأكيد على "التوافق في وجهات النظر الذي ميَّز المحادثات حول عديد القضايا الدولية"، عبارة تفيد أن الطرفين "أكدا عزمهما على بذل كل الجهود اللازمة على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف لتجسيد إرادتهما المشتركة في دعم السلم والأمن الدوليين، بما يتوافق مع مبادئ الشرعية الدولية، وضرورة تعزيز التوجه نحو السبل السلمية لحل مختلف الأزمات والنزاعات"...
 
وأبرزت المصادر أن هذه العبارة، التي اضطر العمامرة إلى قبولها على مضض، تفيد أن المجهود الكبير، الذي كان بذله ناصر بوريطة، في هذا الصدد، مازال محافظا على مساحة من الإشعاع والتأثير، وهو ما يجب أن يوليها رئيس الديبلوماسية المغربية أهمية قصوى، خصوصا بالنظر للموقع الاستراتيجي، الذي تحتله باكو، والذي لا يجب أن يضيع من الرباط، أخذا بالاعتبار القيمة المضافة لموقف أذربيجان المؤيد لوحدة المغرب الترابية في هذه الرقعة الحساسة من منطقة القوقاز، وهي مناسبة أيضا للالتفات، عموما، إلى مستوى نساء ورجال الديبلوماسية، القادرين على مواجهة التحدّيات وتحقيق النجاحات وتنمية وتوسيع الإنجازات، ووضع حد لسفراء فاشلين، سنعود إلى نماذج من فضائح تدبيرهم البئيس، الذي يغطي بعضهم عليه بالهرولة وراء جوائز محلية عديمة القيمة لا تقدّم أدنى إضافة لتحقيق أهداف المهام الديبلوماسية...