تفاصيل أسرع عملية إعدام في تاريخ المغرب.. هكذا تم إعدام 10 ضباط من انقلابيي الصخيرات
الكاتب :
"الغد 24"
حسن عين الحياة
غير بعيد عن التفاصيل الدقيقة للعملية الانقلابية الفاشلة، التي تحول فيها قصر الصخيرات في 10 يوليوز 1971 إلى مجزرة حقيقية، ومأساة محفورة في الذاكرة الجماعية للمغاربة.. وفي منأى عن الصور الدراماتيكية التي حولت فيها البنادق الطائشة فناء القصر وحجراته واخضرار عشبه إلى برك من الدم المسفوك هدراً.. وبعيدا أيضا عن سيناريو الانقلابيين الذين حجوا من اهرمومو إلى الصخيرات، وكيف خطط الجنرال المذبوح، الكولونيل اعبابو وأوفقير لتنازل الحسن الثاني عن العرش أو تصفيته.. بعيدا عن كل ذلك، ثمة حدث وثيق بالعملية الانقلابية الأولى (1971) لم تسلط عليه الأضواء بما يكفي، ولم ترد تفاصيله الدقيقة على ألسنة من عايشوه في إبانه، لتظل وقائعه مبهمة بعض الشيء، وإن مرت متفرقة في أحاديث من حضروا مشهده الدرامي.
الأمر هنا يتعلق بعشرة ضباط من صفوة الجيش شاركوا في العملية الانقلابية، وجدوا أنفسهم بعد يومين من وقوعها مصلوبين على أعمدة خشبية في انتظار أن تتلقى أجسادهم وابلا من الرصاص، في عملية إعدام هي الأسرع من نوعها في تاريخ المغرب.
كانوا أربع جنرالات، خمس كولونيلات وكوموندو واحد، أعدموا بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني الذي راقب العملية عن كثب، ذلك أن المشهد، وإن مر مباشرة أمام أعين المغاربة في 13 يوليوز 1971، بعد أن تم نقله على التلفزة، إلا أنه يكتنز العديد من المعطيات التي تجعل منه اليوم مشهدا حيا للأجيال التي لم تعش المرحلة.
في ذلك اليوم الصيفي القائظ، المؤرخ في 13 يوليوز 1971، عرف المكان الذي تستخدمه القوات المسلحة الملكية للتدريب بالقرب من شاطئ الهرهورة (غير بعيد عن مدينة تمارة) حركة غير عادية.. إنزال أمني مكثف، ووحدات من مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية تحج إليه تباعا، كان الجيش، الدرك الملكي، الأمن الوطني والقوات المساعدة حاضرون بثقلهم في مسرح خصص لإعدام الانقلابيين، أو بالأحرى أشباه الانقلابيين الذين نادوا بحياة الملك ودوام الملكية ثواني قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة تحت وابل من الرصاص.
تفاصيل عملية إعدام هي الأسرع في تاريخ المغرب
كان صباحا استثنائيا مشبعا برطوبة البحر التي أضفت على المكان الشاطئي طابعا غرائبيا، أربع دوائر أمنية تطوقه للحماية، وشاحنات عسكرية مصطفة تشكل طابورا، كانت مغطاة حتى لا يعرف من بداخلها.. على مقربة منها تم غرس عشرة أعمدة خشبية في رمال تمتد إلى المحيط الأطلسي، بينما الملك الراحل الحسن الثاني يقف كشاهد على سير الترتيبات على تلة رملية رفقة العاهل الأردني الملك حسين.
هنا ساحة الإعدام التي تقرر أن تموت فيها نزعة الانقلاب على الملكية في المغرب.. وهنا أيضا كان الحسن الثاني بجلبابه المغربي يسترجع سريعا شريط مأساة الصخيرات.. لقد كان مستعجلا في تنفيذ حكم الإعدام في حق الانقلابيين، غير أن تأخر طاقم الإذاعة والتلفزة الموكول له نقل الحدث للمغاربة في القدوم إلى مسرح العملية، عطل الأمر لدقائق.
ساحة الرماية، أو بالأحرى ساحة الإعدام تعج بالعديد من الضباط على اختلاف رتبهم العسكرية، يتقدمهم الجنرالين إدريس بن عمر ومحمد أوفقير. الشاحنات العسكرية المصطفة ما تزال في مكانها، وفرقة الرماة الموكول لها بتنفيذ عملية الإعدام تقف قبالتها في أقصى تأهبها.
مرت دقائق قليلة، كانت الساعة وقتذاك تشارف على الحادية عشرة صباحا. توجه بعض الجنود ورفعوا الأغطية على الشاحنات ليظهر الضباط العشرة بداخلها مكبلو الأيدي، كانت هاماتهم منكسرة، وجوههم شاحبة كما لو أنها تعتلي أجسادا بلا روح، بينما أعينهم فقد بدت شاخصة نحو كل شيء وللا شيء.. كل واحد من هؤلاء يحاول أن يفهم ما يجري، وحده الكولونيل الشلواطي الذي كان غير مكترث بما يدور حوله، باعتباره حسب ما ذكرته العديد من المصادر، كان عنصراً أساسيا ضمن قادة الانقلاب، وقد شغل خلال العملية منصب "رئيس مجلس الثورة".
إلى جانب الراحل عبد الله القادري الذي أخرجه أوفقير من دائرة الانقلابيين كالشعرة من العجين، وأحد الرماة الذي نفذ عملية الأعدام، هناك الإعلامي محمد بن ددوش، وهو واحد ممن شهدوا عملية الإعدام عن قرب، وقد تحدث في كتابه "رحلة حياتي مع المكروفون"، عن بعض تفاصيلها بحكم أنه كان وراء إعداد الروبورتاج الذي أذيع في التلفزة حول العملية. وبحسب هذا الأخير، إن الضباط العشرة سيقوا إلى ساحة الإعدام، وقد ربطت أيديهم من الخلف بالأعمدة المنصوبة ببزاتهم العسكرية وعليها شارات رتبهم، وهي الشارات التي ستنزع منهم الواحد بعد الآخر. وحسب القادري إن من تولى عملية نزع الشارات هو الجنرال إدريس بن عمر.
دقت ساعة الحسم، ووقت الصباح يشارف على الانتهاء، إذ مع حلول الساعة الحادية عشرة والربع دخل
الجنرال أفقير والجنرال إدريس بن عمر في جدال اتضح من خلاله أنهما المشرفان على سير عملية الإعدام، وحسب بن ددوش، كان الجنرالان يتذاكران على انفراد، وإذا بالجو يتوتر بينهما، حيث سمع الجنرال إدريس بن عمر يقول لأوفقير بالفرنسية ما يعنى أنه "يجب أن تكون تصرفاتنا معهم وفق القواعد المتعارف عليها"، ليرد الجنرال أوفقير منفعلا وبصوت عال "هل كانت تصرفاتهم معنا كما يجب"؟، وقبل أن ينهي كلامه ابتعد عن الجنرال إدريس بن عمر وتوجه صوب فرقة الرماة (فريق التنفيذ العسكري)، ثم صاح فيهم (بالفرنسية) حسب بنددوش :" انتبهوا انتبهوا ... نار... نار" ومن تم أخذت البنادق دفعة واحدة في إطلاق الرصاص، فكانت أجساد الضباط تتهاوى تباعا بعد أن تحولت صدورها إلى شلالات فائرة بالدماء.
وعن هذا الشهد الدراماتيكي قال بن ددوش في إحدى اعترافاته "هكذا جرت العملية في جو مضطرب رهيب وأثارت نوعا من الخوف لدينا لقربنا من الموقع، بالنظر إلى الطابع الفجائي الذي ميز صدور الأمر بإطلاق النار، وبالنظر أيضا إلى قوة الرماية وصوت الرصاص المرعب ومنظر الدماء تتطاير من الأجسا".
قبل ذلك، كان الضباط حسب الكولونيل السابق الراحل عبد الله القادري ينادون باسم الملك، "الجنرال حمو قال قبل إعدامه "يحيا الملك.. اللهم إن هذا منكر راحنا ملكيين"، والجنرال بوكرين قال بدوره "أنا ملكي وقد عينت لأذهب إلى باريس ملحقا عسكريا، وقبلت الأمر بكل تواضع رغم أن لي مسؤولية كبيرة في الجيش"، بينما بدا الكوموندو ابراهيم المانوزي غاضبا وهو يتوعد بالقصاص في الدار الآخرة..
كانت رائحة الموت تخيم على المشهد برمته، والسكون الذي امتص لعلعة الرصاص أصبح سيد المكان، فجأة – يقول بن ددوش - ظهر "مجموعة من الجنود قيل بأنهم يمثلون الوحدات البرية والجوية والبحرية التابعة للقوات المسلحة الملكية ... أسرعوا نحو الضباط الذين نفذ فيهم حكم الإعدام وصاروا يبسقون على جثثهم، كعلامة احتقار نحوهم كما قيل لنا".. بعدها تم دفن الضباط في حفر كانت موجودة مسبقا خلف أعمدة الإعدام.