وهبي يهيمن على صلاحيات مندوبية حقوق الإنسان ويحوّل شوقي بنيوب إلى موظف إداري
الكاتب :
جلال مدني
من الآن فصاعدا سيختفي اسم وفعل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، التي سيصبح حضورها شكليا، بفعل قيام عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، بالهيمنة على صلاحيات أحمد شوقي بنيوب، بعدما حوّله إلى مجرد موظف إداري، كل صلاحياته هو التدبير الإداري والمالي، وشراء الأوراق والستيلوات والطابعات وكل ما يلزم الإدارة من جافيل وبادجات وكومبيوترات ورواتب وتعويضات وحسابات، علما أن المندوبية الوزارية لديها مدير عام هو المسير والمدبّر للمندوبية ببنيتها الإدارية والمالية، وعلاوة على ذلك، سيكلفه بإعداد تقارير حقوقية، أو ردود على بعض المنظمات الحقوقية الوطنية أو الدولية...
وللتغطية على هذه العملية، التجأ وهبي، الضليع في البوليميك منذ أيام اليسار الطليعي الخارج من الجلباب الاتحادي، إلى اللعب باللغة للقول إنه قام بتفويض صلاحياته المتعلقة بتدبير المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان إلى أحمد شوقي بنيوب...
ففي عرض وزير العدل لمشروع الميزانية الفرعية للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب، أمس الثلاثاء 2 نوفمبر 2021، قال وهبي: "صحيح أن المندوبية الوزارية تحت سلطتي بموجب مرسوم اختصاصات وزير العدل؛ لكن هناك مندوب وزاري حظي بثقة جلالة الملك، وما دام جلالة الملك يثق فيه فأنا أثق فيه أيضا"، ثم قال إنه فوّض له تدبير وإدارة المؤسسة، في ما يتعلق بالجانب المالي والإداري، فيما سيتحمل هو، أي وهبي، المسؤولية السياسية عن عمل المندوبية.
ومع ذلك، سيمكّن تدخّل وهبي من إخراج المندوبية من الهلامية والضبابية، إلى درجة أن بعض الحقوقيين الماكرين وصفوها بـ"المندوبية اللقيطة"، لأنه لا وجود لها في الدستور، فهي غير مدرجة في لائحة القانون التنظيمي رقم 12-02 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور والمعدل بتاريخ 17 يناير 2019، كما لاحظ ذلك الخبير الحقوقي الدولي عزيز إدمين، فضلا عن أن المندوبية ظلت تتقاذفها الهيئات الحكومية، منذ إحداثها بتاريخ 11 أبريل 2011، إذ أُلحقت، في البداية، برئاسة الحكومة، في عهد عبد الإله بنكيران، مكلفة بـ"تنسيق وإعداد وتتبع تنفيذ السياسات العامة في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني"، ثم ألحقت بوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، في عهد سعد الدين العثماني، وأخيرا إلحاقها، حاليا، بوزارة العدل في عهد حكومة عزيز أخنوش...
الإلحاق بوزارة العدل كان بمرسوم صدر في الجريدة الرسمية، قبل أسبوعين، وهو بإمضاء رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ووقّعه بالعطف وزير العدل، تضمّن تحديد اختصاصات وزير العدل، التي تحوّلت فيها مهام وصلاحيات أحمد شوقي بنيوب إلى عبد اللطيف وهبي، إذ نصّ المرسوم في مادته الثالثة على الإلحاق: "تلحق المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان بوزارة العدل، ويتولى وزير العدل السلطة على مجموع هياكلها"، كما نصّ على الصلاحيات، إذ سيمارس وزير العدل مهمة "إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها، وفي مجال القانون الدولي الإنساني، بتنسيق مع القطاعات الوزارية والهيئات المعنية"، وهي نفسها الصلاحيات، التي كانت مخوّلة للمندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان...
والمنطقي، بناء على صلاحيات وزير العدل، هو تحويل المندوبية الوزارية إلى مديرية داخل الوزارة، وهو الوضع الطبيعي، حسب مرسوم اختصاصات وزارة العدل، لكنها بقيت مندوبية لأن صلاحية تعيين المندوب الوزاري تعود إلى الملك، رغم أن مقتضيات الدستور، كما سبق القول، لا تتضمّن أي شيء عن هذه المندوبية، وهذا ما يفسر أن ظهير تعيين المندوب الوزاري، وحده دون باقي كل ظهائر التعيين، لا يستند على أي مقتضى من الدستور...
وبصدور هذا المرسوم، سينطفئ ذلك الإشعاع، الذي ارتبط بإحداث المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، والذي خلقه التعيين الملكي، على الصعيد الإقليمي والدولي، خصوصا بالنسبة للنشطاء الدوليين في حقوق الإنسان، الذين رأوا فيه مؤسسة متعالية على الحكومة، مهمتها تتبّع أوضاع حقوق الإنسان بين حكومية، أي على مستوى كل القطاعات الحكومية، لتتحوّل اليوم إلى مجرد مصلحة إدارية رسمية...