الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

مراد بورجى: موجبات البروتوكول الملكي.. وأسرار "صلاة رئيس الحكومة أخنوش"

 
مراد بورجى
 
 
لابدّ من الوقوف على واقعة صلاة "المعاناة"، التي جرت أطوارها بمسجد الحسن الثاني، خلال إحياء الملك محمد السادس ليلة القدر، كي يتسنى لنا فهم شيء مما جرى.
 
أولًا، يجب أن نكون على بيّنة من أن حضور المسؤولين إلى الأنشطة الملكية يكون بناءً على "استدعاء"، وليس "دعوة" كما يعتقد البعض.
 
إلاّ أنه رغم هذا الاستدعاء الرسمي، فبالإمكان أن يُؤذن لأي مسؤول تعذّر عليه الحضور لسبب يوجب الغياب.
 
في حالة رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وما تتبّعه المواطن المغربي مباشرة عبر كاميرا التلفزيون الرسمي، عندما "عمد" المصور إلى استعمال وسيلة الزوم، وركّز على رئيس الحكومة وهو يجلس على يسار الملك محمد السادس، بصفته الرجل الثاني في الترتيب البروتوكولي بعد "القصر".
 
ثم قام هذا المصور بتصوير عزيز أخنوش بشكل خاص وهو يؤدي الصلاة ليتسنى للمخرج أن ينقل لنا الصورة المؤلمة لتلك المعاناة، التي كان يعانيها رئيس الحكومة، من خلال إظهاره بما كان يحس به من ألم في كل ركعة وسجدة كان يقوم بها، لدرجة أن أخنوش كان على ما يبدو يلفُ يديه على وجهه في السجود حتى لا يسمع الملك أنينه.
 
هذه "الصورة الإعلامية" التي انتشرت بشكل كبير، أثارت في حد ذاتها، سؤالين: إما أنها ببساطة جاءت حصيلة عمل مهني احترافي، وإما أنها كانت موجّهة، وإذا كانت موجهة فمن هي الجهة التي قد تكون وراء التوجيه؟ أو قد يكون هناك شيء آخر يجب أن نبحث عن فهمه؟
 
أولا، لقد آلمنا ما رأيناه، وبعيدًا عن كل تشفِّي، ولكن لابد من طرح تلك الأسئلة لمحاولة فهم ما جرى. وبغض النظر عن الحالتين أعلاه، هناك إشارة أساسية في الموضوع: إذا كان أخنوش يعاني من مرض أو إصابة ما قد تحول دون تأديته للصلاة بشكل أو بآخر، ما كان عليه سوى شرح ذلك للبروتوكول المشرف على التنظيم، الذي كان بطبيعة الحال سيتفهم هذا "العجز"، ويكون أخنوش قد نأى بنفسه عن إظهار ما أظهره حضوره خلال حفل إحياء الملك لليلة القدر المباركة، وفي نفس الوقت، يُجنب البروتوكول الملكي تلك الصورة، التي ظهر بها أخنوش، وكأن الرجل "أُجبر" على حضور الحفل، وأنا أشكك في ذلك، لسبب بسيط هو أن هذا السلوك المهني والإنساني، في الآن نفسه، درج عليه الملك محمد السادس منذ تولّيه العرش، وإلى حدود اليوم، بدْءًا من وضع ناطق رسمي باسم القصر، وصولا إلى إعلان المرض مع إعلان عطلة صحية بعدد أيامها موقّعة بطبيب أو أطباء القصر...
 
وقد ذهب البروتوكول الملكي بعيدًا حينما بعث برسالة نصية قصيرة، صباح يوم 26 غشت من سنة 2009، عبر شركات الاتصالات، يُخبر من خلالها المغاربة بإصابة الملك "بنزلة برد" ويُطمئنهم في نفس الوقت على صحته.
 
 
وبما أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، لا "يُحب" التواصل مع الشعب، ولم يشرح "صدره" للبروتوكول الملكي كي يُعفيه، فقد ترك للشارع أن يؤوِّل كما يشاء.
 
وهنا، لابد لي من أن أُعرِّج على ما راج في الشارع من لدن فئات من المغاربة لم تؤثّر فيهم الحركات المُؤلمة، التي كان يبديها أو يعيشها أخنوش، أقول (لابدّ) لأنني، صراحة، تفاجأت بحالة غير معهودة في مسار وتقلبات ومنعرجات وتطورات تاريخ المغاربة، الذين لا يتشفّون، وتراهم دائما يفتحون أحضانهم للغير، بل ويدعون بـ"المغفرة" حتى لمن أساؤوا إليهم، وفي هذا الصدد، لا أتفق مع ما عبّر عنه البعض من توجّهٍ نحو طيٍّ سريع وسطحي لهذه الصفحة-الحالة، باعتبارها مسألة اجتماعية شخصية لا يجدر الخوض فيها.

صحيح هي مسألة شخصية، لكن لا يمكن عزلها عن هوية الشخص كرئيس لحكومة أنهكت السواد الأعظم من المغاربة و"حرّرت" عليهم "عيشتهم"، وهؤلاء المغاربة أنفسهم، كما تربينا في أحضانهم ورضعنا حليبهم وكبرنا بجهدهم وبكدّهم، عوّدونا على الامتناع عن الدعاء على المريض إلا بالشفاء وعلى الميت إلا بالرحمة والمغفرة، لذلك قلت إنني تفاجأت من هذا المنحى، الذي أبداه العديد من الناس، الذين لم تؤثر فيهم معاناة أخنوش، إذ استغلوا مناسبة إحياء ليلة القدر، ووجّهوا دعوات إلى الله لينتقم لهم من أخنوش على ما أصابهم منه من ظلم وطحن لقوتهم اليومي، حسب ما يقولون.
 
وكان طبيعيا أن يفكر هؤلاء هكذا، بما أن رئيس الحكومة كان قد استفزهم بأكل الثوم بفم "متزعم" البام، الذي قَبِلَ أن يُقدّم ظهره وحزبه لتلقي ضربات وغضب السواد الأعظم من المغاربة، في دعم لا مشروط لرئيسه الملياردير عزيز أخنوش، خلال اللقاء الذي أراد به "متزعم" الأحرار أن يجمع "على كلمة واحدة" مستشاري وبرلمانيي الأغلبية، التي يحكم ويتحكّم فيها ويقبض بها على الرقاب، وكان لافتا كيف وجّه أخنوش، على مرأى وسائل الإعلام الحاضرة، "أمر" الكلام لوزيره عبد اللطيف وهبي، الذي ربّما أراد الانتقام مما وجّهه إليه رئيسه من "أمرٍ مهين"، فما كان منه إلا أن وجّه كلامه، بكل عجرفة وكبرياء، إلى المغاربة، ليقول لهم: "نحن الذين نمتلك الحقيقة نحن الثلاثة"، والحقيقة، التي بلّغها، هنا، وفي آخر اللقاء في تحد واستكبار على المغاربة، أن هؤلاء "الفرسان" الثلاثة، أخنوش ووهبي وبركة، هم وحدهم "الأقوى"، ولا أحد قوي سواهم"...
 
فماذا يقول في كل هذا، ذلك البعض الآخر الذي بادر إلى التصدي لهؤلاء، بدافع الشفقة على أخنوش "المسكين"، أو بدوافع أخرى واضحة أو غامضة، ودَعوْا إلى الابتعاد عمّا هو شخصي، وفصله عن الصراع السياسي أو غيره من الصراعات الأخرى. لكن سرعان ما خرج الأولون ليردّوا على "المتصدّين" بالذهاب إلى أن أخنوش أصرّ على حضور الحفل، رغم ما يعاني منه في ركبته، أو في غيرها، ليجلس ويظهر بجانب الملك، كصيغة من "استعراض العضلات" في الرد على من يُطالبون من الملك محمد السادس نفسه بالتدخل لإنقاذهم من جبروت رئيس حكومته، فكان جوابه لهم في صورة "إنا ها هنا قاعدون"... إلاّ أن الرجل لم يستطع "الثبات" في صلاته "فتركوه" لقدره وقد "جعل" من نفسه فُرجة "للي يسوى، واللي ما يسواش"...
 
شخصيا، كل ما يمكن أن أقول، في هذا الإطار، هو إن الله هو المطلع على النوايا!!؟ أما الفكرة، التي بسطتها أعلاه، فتتعلّق بحالة من "البغض والكراهية" وبنزعة من "الانتقام"، حالة تعكس حجم التحولات العنيفة، التي أصابت المجتمع المغربي، والتي يلزمنا أن ندقّ حولها أجراس الخطر والمسؤولية، وأن يعكف عليها السوسيولوجيون والباحثون الاجتماعيون وكل ذوي الاختصاص، للانكباب على تمظهراتها ومنطلقاتها وآفاقها، من أجل إعادة الاعتبار لحالة الصفاء والبهاء التي فتحنا عليها أعيننا، لتبقى شامخة في عقر دارنا، وتكون هي دَيْدنُ وأخلاق أهلنا الطيبين، ولا ضرر في الحلم لكن دون أي وهم...