الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الإعلام الموجه استطاع أن يخدم الخراب.. هذه عناصر استراتيجية استهداف المغرب

 
محمد نجيب كومينة
 
رفع المغرب التحدي عاليا عندما لجأ إلى القضاء الفرنسي، مع تكليف أحد أقدر المحامين الفرنسيين بالدفاع، وأعلن أنه سيقاضي كل من كال له التهم في ما بات معروفا بسردية "بيغاسوس"، وأكد، كما أكدت الشركة الإسرائيلية NSO، أنه لم يشتر هذه البرمجية المتطورة جدا، وبالتالي فإنه لم يستعملها لا للتجسس على ماكرون أو غيره من الأجانب، ولا على الملك محمد السادس والعائلة الملكية ومسيري القصر (هذه نكتة بايخة: المخابرات المغربية تتجسس على الملك المفروض أنها تحت إمرته وهو من يعين رؤساءها ويقيلهم ويؤدب من أخطأ منهم في مستويات عادية)، وبطبيعة الحال، واعتبارا لحجم المعارك والرهانات المغربية، فإنه لا يمكن أن يُسمح لبرمجية جاسوسية، يتحكم فيها صانعها ويستطيع جمع معطياتها ووقف تشغيلها كما أكدت الشركة المنتجة في بيانها، بأن تنقل اسراره إلى اي جهة أجنبية مهما كانت أهمية التعاون معها.
 
رفع التحدي، في ما يظهر، ليست غايته نفي ما نُشر وتم تداوله بناء على ما سوّقته أمنستي وفوربيدن ستوريز، والذي نفته أيضا دول أخرى كالسعودية والإمارات، اللتين أكدتا أنهما لم تشتريا هذا التطبيق المعلوماتي أصلا، وإنما للكشف عن حقيقة وأهداف التركيز على المغرب في هذا التوقيت أكثر من غيره، وبالأخص في صحف فرنسية من قبيل لوموند وميديا بار (هذه الاخيرة تخلت عن يساريتها للترويج لخطاب عنصري ضد المغرب شبيه بخطاب فوكس الإسباني، إذ نشرت مقالا بعنوان: من يكون المغرب، هذا البلد الصغير والمسلم الذي يتجسس علينا! في صيغة عنصرية واستعمارية متعالية تكشف المستور، لم يتم سحبه إلا بعد أن قرأه القراء متفاجئين بهذا الانحدار إلى الحضيض، لكنه يبقى وصمة عار ويؤكد كيف أن الانحراف الأخلاقي في شارلي إيبدو ليس حالة منفردة).
 
المغرب مستهدف ليس لأن جنرالات الجزائر يبعثون إلى كل مناطق العالم وإلى المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام بمن يحملون أكياس البترودولار، التي يحتاجها الشعب الجزائري المهدد بالعطش والجوع والفقر، لشراء الذمم والمواقف، فالأمر أكبر من ذلك، عندما نرى حجم الهجوم، والنظام الجزائري مجرد ذيل في العملية، التي قفز عليها بغبائه المعروف وبنزعته إلى إدامة منطق الجزائر الفرنسية الاستعماري في المنطقة وفي أفريقيا في خيانة واضحة لأرواح شهداء حرب التحرير...
 
فالأوروبيون اليوم، وهنا بيت القصيد والدافع إلى إعمال آليات الضغط بهدف خلق وضعية عدم استقرار وتفكك (نفس سيناريو الجريمة ضد ليبيا وغيرها)، يستمرون في ضرباتهم للمغرب، لأنه اختار اختيارا سياديا يقضي بتنويع علاقاته استراتيجيا وعدم وضع كل بيضه في سلة واحدة، خصوصا وأنه وعى جيدا أن علاقته مع الاتحاد الأوروبي كانت ذات فائدة أحادية الجانب، حيث تضخم عجزه التجاري منذ دخول اتفاقية الشراكة إلى حيز التنفيذ سنة 2000 وإلى حدود 2010 بنسبة 40% تقريبا، وتفاقم بعد ذلك، وخلال ذلك مورست عليه ضغوط لتحرير قطاع الخدمات كمقدمة لاتفاقية التبادل الحر مع ما يعنيه ذلك من تمكين الأوروبيين من السيطرة على أبناكه وشركات التأمين وباقي مكونات قطاع الخدمات، أي الاستعمار بالعربية تاعرّابت، وهو ما صمد في وجهه بقوة وبقي ملف الخدمات واتفاقية التبادل الحر عالقين منذ 2013، هذا مع العلم أن المساعدات الأوروبية، من الميزانية التي لا يترتب عليها دين، تراجعت وأن "الوضع المتقدم" لم يترتب عليه تعامل متجاوز لحدود السياسة الأوروبية للجوار، وأنه كان وسيلة تطويع أخرى دخل على خطها مجلس أوروبا الآلة الإيديولوجية والسياسية التي تكفلت كما هو معروف بتفكيك واستيعاب أوروبا الشرقية وتفقير شعوبها وتسليمها للرأسمالية المتوحشة وللسيطرة الألمانية...
 
ليس هذا وحسب، إذ من المعروف أن الاتحاد الأوروبي وسفارات بعض دوله استغلت تهافت بعض الأشخاص على ريع المجتمع المدني، ومنهم من اغتنى منه، لتسخيرهم وجعلهم أكثر تواطؤا كما حدث في دول أخرى، ومن الطبيعي أن يصبح الوطن بلا قيمة عندما يصل معلم سابق مثلا إلى أجر شهري يبلغ 35000 درهم شهريا بصفته مدير جمعية يسمسر في ما يسمى بـ"المشاريع"، ويبحث عن التمويلات لدى السفارات، وهذا الشخص مثل أشباهه ممن كانوا ينتقلون من طائرة إلى أخرى ويحصلون على التعويضات السخية والفنادق الفخمة من الطبيعي أن يرددوا ما يعود عليهم بالنفع، وطز على حقوق الإنسان، خصوصا الفقير والمهمش والمظلوم، وطز على الوطن والوحدة الترابية وعاش العيش على التناقض بين الادعاء والشعار وبين الانخراط في النقيض، وإن شاء من شاء "غادي نشرح ونملح" بالقليل الذي أتوفر عليه، ومن المؤكد أن المناضلين الصادقين القريبين من المطبخ يعرفون أكثر مما أعرف، أما الأجهزة الأمنية فأتصور، والله اعلم، أن لها كم من المعلومات التي لا نعرفها.
 
اختيار المغرب لتوجه سيادي، مفتوح على التعاون مع جميع الأطراف وعدم البقاء رهينة لطرف غير مخلص في علاقاته دون وجود أي توجه لاستبعاده، هو ما جعل المغرب يقوي علاقاته مع الولايات المتحدة، التي انتقلت من اتفاقية التبادل الحر إلى الاعتراف بمغربية الصحراء تدريجيا قبل مجيء قرار ترامب الصادم للبعض، وأيضا مع الصين التي تتجه معها العلاقات إلى مستويات من التعاون غير مسبوقة، كما يظهر ذلك من تفويت 35% من رأسمال القرية التكنولوجية بطنجة مؤخرا (30% من مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة و5% من شريكها بانك أوف أفريكا)، التي تعرف انطلاقتها كمشروع بالغ الضخامة قريب من ميناء طنجة المتوسط وفي باب أفريقيا، والاتفاق على تعبئة لقاح سينوفارم، الذي سيكون إنتاجه في نونبر متوفرا، كمرحلة لتعاون أوسع في مجال البيوتكنولوجيا، وتوجد في هذا الإطار 3 مشاريع أخرى قيد التحضير مع شركاء آخرين...
 
وهذا غيض من فيض يجعل دولا أوروبية بعينها، تعرف أن قطار المغرب في أفريقيا انطلق بالسرعة القصوى وصار الركوب فيه ضروريا بالنسبة للبعض، تنتقل من التوجس إلى ممارسات تذكر بالأزمة المغربية في بداية القرن العشرين، لكن مع عدم إمكانية تكرار مؤتمر برلين ومؤتمر الجزيرة الخضراء، لأن المغرب، وإن كان يواجه جيران السوء وأذنابهم كما واجه بوحمارة الذي تحكم فيه ضابط فرنسي وقاد جيشه، فإنه ليس بالبلد الضعيف وليس متكونا من 600 جمهورية كما كتب مستشار الحماية روبير مونتان ولا بوزل كما كتب بيرك ردا عليه، ولحمته الوطنية قوية جدا وشعبه يعي أن وحدته الوطنية هي الصخرة التي تتحطم عليها أمواج الاستهداف لتنتهي من حيث أتت. لم أدرج ما يروج عن جبل تروبيك، لأنني لا أتوفر على معلومات دقيقة ومؤكدة بشأنه، ولو تأكد ما يروج عنه، فإنه سيكون معطى ذا أهمية كبرى تجعل أي تحليل ناقص إذا لم يستوعبه، لأن الأمر يتعلق، حسب المتداول، بثروة حاسمة في صناعات مستقبلية، ومن ضمنها السيارات الكهربائية.
 
حاولت أن أبسط ما أمكن عناصر استراتيجية تفسر استهداف المغرب، وليس في نيتي الترويج لنظرية المؤامرة، بل الكشف عن أمور سيكون لها أثر مستقبلا أيضا وتستدعي يقظة الوعي، فالإعلام الموجه استطاع أن يخدم الخراب...