نبيلة منيب.. أول امرأة مغربية تقود حزبا يساريا وتهتف أن المرأة ليست كوطة عددية أو دمية شكلية
الكاتب :
"الغد 24"
نجاة زين الدين
بالرغم من كل الإكراهات والمفاجآت الصادمة لإعاقة عملها الجاد، تأبى أيقونة اليسار الحقيقي، الدكتورة نبيلة منيب، إلا أن تتشبث بالحياة، لتطرح الفرح بطريق المسير، مقتنعة بأن طريق الألف ميل ينطلق من خطوة ثابتة، مرددة شعار الاستمرارية على العهد، ومؤكدة أنه لا تنازل على ملفات القضايا الجوهرية والأولى للجماهير الشعبية المغربية، والمتعلقة بسبل تحقيق الكرامة الإنسانية للجميع، والعدالة الاجتماعية، ووطن تحترم فيه الحريات الفردية لكل المواطنين... ويتلازم فيه الحق بالواجب وترتبط فيه المسؤولية بالمحاسبة...
ساعات من اللقاء الجاد التواق إلى التطلع إلى استشراف مستقبل واعد بكل ثقة في النفس، وإيمان بأن القادم أحسن بكثير... وبأن الغد سيكون حتما افضل... وبأن الأمل في شبابنا المغربي الناضج والمسؤول، العقلاني والفحيص، ركيزة التغيير... نعم، جمعتنا اليوم لنردد معا مع الشابي في نهاية اللقاء:
سأعيش رغم الداء والأعداء
كالنسر فوق القمة الشَماء
بيت رددناه مع الشابي بكل عزم ويقين فهنيئا لمن كانت قناعته ثابتة، رصينة، لا تقبل المزايدات، ولا تنكسر على صخر ائتلافات التشظي بالانقسامات...
نبيلة منيب، أيها السيدات والسادة والرفيقات والرفاق والصديقات والأصدقاء، هي أول امرأة مغربية قادت وتقود لحدود الساعة الأمانة العامة لحزب يساري بالمغرب: الحزب الاشتراكي الموحد، هي أول قيادية حزبية تحدت عثرات البطريركية السياسية، ورفضت الانصياع لأوامرها وصرخت بكل قواها في وجه الاستبداد الذكوري بالأحزاب المغربية، مشيرة إلى أن المرأة ليست كوطة عددية أو دمية شكلية وضعت فقط لتنفيذ تقرير الرجل داخل الأحزاب السياسية...
أتعجب كيف لمن كان بالأمس القريب يرفع شعار المساواة، ويطالب بتولي المرأة مناصب القرار، أن يعرقل عملها ويحيك أخبث المؤامرات ضدها؟! وصدمتي فاقت الخيال عندما يظهر بالملموس تجذّر الفكر الأبوي لدى الكثير من المناضلات أنفسهن، ليقمن بشن حرب استنزاف لمعنويات المناضلات الجادات وتحيّن الفرص لضرب شرف بعضهن البعض، والتشكيك في مصداقية مبادراتهن لتثبيط عزائمهن... بدل الوثوق بعملهن وتوحيد صفوف البناء النسائي والتصفيق له لتحفيزه على الإبداع وتجاوز المطبات الخارجية لا افتعال أخرى داخلية، مريبة...
كيف لمن انضم إلى الحزب في الوقت القريب وهو يعلم أن به طاقة نسائية استثنائية بكاريزما كيميائية متميزة، جسدت النضال بالعمل، وبرهنت بالدليل على أن السياسة تفعيل وتجسيم للمقترحات لا مجرد تنظير؟؟؟
كيف لمن كانت لهم الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد بالأمس القريب بديلهم السياسي الوحيد وحلمهم الرائع بتصريحاتهم المسجلة، والمحتفظ بها لحدود الساعة في أرشيف الحزب، أن تتحول بقدرة قادر إلى نقيض كل ما سبق لمجرد عدم قبول السيدة نبيلة منيب لمنهاج الفوضى والتسيب، اللذين تبناهما جناحا الانشقاق، وحرصا على تقويض الحزب إلى صراع الطائفية والإثنية المرفوضة قطعا داخل أي بنيان سياسي محترم؟؟؟
ما ضر هؤلاء الرفاق في كل هذه العملية وطيلة هذه السنوات، وبالضبط منذ توليها الأمانة العامة، هو أن نبيلة منيب تقود الحزب بديناميكية سريعة، التي أخافت هؤلاء المنشقين أنفسهم، وأذهلهم تكتيكها الاستراتيجي الممنهج، الذي تدبّره بديبلوماسية المحنكة بصراحتها الجريئة، وبخطاباتها الرافضة للغة الخشب، التي لا تعتمد المحاباة بدافع الهدنة المنافقة، والمواراة المشبوهة...
إنها الأمينة العامة الوحيدة التي حددت موقفها بكل شجاعة بخصوص معتقلي الريف وكل معتقلي الرأي بالبلاد، بل حضرت جل محاكماتهم تقريبا... وزارت ذويهم بالحسيمة...
إنها الأمينة العامة الوحيدة داخل الفيدرالية، التي أدلت بتصريح جريء في ملف التطبيع، بل إنها الأمينة العامة الوحيدة داخل فدرالية اليسار التي خرجت بأكثر من تصريح واضح بخصوص المشروع التنموي المقترح...
كما أنها الأمينة العامة الوحيدة، التي تنقلت إلى الكثير من المدن والدواوير النائية للوقوف عن كثب على المشاكل الحقيقية المعاشة من طرف سكانها...
كما أنها هي الوحيدة التي انتقلت إلى المنطقة الشرقية عندما تفجر ملف عمال المناجم بجرادة والنواحي وشاركتهم بعض وقفاتهم...
كما أنها الوحيدة التي تعتمد العلمية في التحليل والتكتيك الديبلوماسي المدروس في كل خطواتها... وتدخلت عندما وجب ذلك، خاصة عندما انتهج الجناح المنشق سياسة استنزاف الحزب من الداخل، تارة بسرية ملغومة، وتارة أخرى بعلانية نرجسية مشؤومة، لزرع فكر البلقنة والتخوين، باعتماد الاتهامات المجانية في حق السيدة الأمينة العامة، وفي حق الكثير من المناضلين والمناضلات الشرفاء...
إن ما أقدمت عليه السيدة الأمينة العامة من خطوة في سحب توقيع الحزب من الداخلية، هي خطوة حكيمة وشجاعة، لبثر الفيروس واستئصال أصل الورم لكي لا يتضخم أكثر مما يجب، ولكي لا يأتي على الأخضر واليابس داخل الحزب، ولإنقاذ ماء وجه ما تبقى، بكل حزم وصرامة، تفاديا لأي انفجار مرتقب كان من المحتمل أن يفجر الحزب برمته... لولا تدخلها الصارم والحاسم... لأنه لا يعقل أن تستمر في شراكة تنتصب فيها العدائية، ويسودها النفاق الاجتماعي الذي استأنس به الكثير في كل العلاقات، فأثّت بذلك الخاصة والعامة منها...
واليوم، وبعدما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وبعدما تحدد موقع كل طرف في الخلاف الذي انطلق من مجرد اختلاف في وجهات الرأي والتدبير ومن تراكم تربوي أبيسي، ليتافقم إلى موقف خطير أبان على اختلاف في المنظومة الفكرية اللامؤمنة بالمرة بكفاءة المرأة، واللامعترفة بالمطلق بقدرتها وإمكانياتها في التدبير الجيد والمحكم...
فإلى كل أولئك الذين حاولوا النيل من عزيمتها، وعزيمة كل شرفاء وشريفات الحزب الاشتراكي الموحد بدعوى أنهم لا يفقهون/ ولا يفقهن شيئا، أقول: راجعوا حساب الأجندة السياسية للأمينة العامة نبيلة منيب لمدة توليها الأمانة العامة لتتأكدوا ماذا صنعت للحزب، وبالحزب، ومن أجل الحزب، إلى درجة أن هذا الأخير عُرف باسم منيب أكثر مما عرف باسمه الحقيقي...
فكم أضاع اليسار المغربي إذا من فرص زمانية وهو يلملم عظامه، بعد كل تبادل للاتهامات المجانية؟؟؟ وكم من مكائد دبرت ليلا لتوقيف قطار التغيير بهدف شل المسير؟ ومع ذلك سيستمر النضال الشريف إلى أن تتحقق العدالة المرجوة، والكرامة لكل المواطنين المغاربة، بفك قيد الأسير، وكفاني بهذا في هذا التذكير...