المغرب تفرگع على إسبانيا.. لن يقبل بديلا عن المعاملة بالمثل ومستعد لدعم انفصال كطالونيا
الكاتب :
جلال مدني
الظاهر أن المغرب، من خلال بيانه الناري الصادر اليوم الاثنين 31 ماي 2021، عازم على الذهاب في الأزمة المغربية الإسبانية إلى أبعد مدى، بعدما بلغ سيل مواقف مدريد المعادية للوحدة الترابية لجارها الجنوبي الزبى، إذ لم تعد الرباط مستعدة لقبول أنصاف الحلول، بقدر ما ظهرت مصرة على المعاملة بالمثل: إما تأييد إسباني صريح وواضح لسيادة المغرب على كامل ترابه الصحراوي، وإما استضافة المسؤولين الكطالانيين الانفصاليين...
إنه المدى، الذي لم يقله المغرب، لكن لوّح به ضمنيا من خلال توقفه مطولا عند تعامل البلدين مع قضية الانفصال، التي يعانيان منها معا...
وظهر ذلك جليا في تشديد بيان الخارجية المغربية على أن مثول المجرم إبراهيم غالي، غدا الثلاثاء فاتح يونيو 2021، أمام المحكمة الوطنية العليا الإسبانية، لن يحل المشكل، إذ رغم كونه النقطة التي أفاضت الكأس إلا أنه ليس هو جوهر الأزمة الخطيرة بين البلدين الجارين، وحدد البيان جوهر الأزمة في ما أسماه "دوافع خفية لإسبانيا معادية لقضية الصحراء"...
وبالتالي، فإن انتظارات المغرب من إسبانيا تتمثل في المعاملة بالمثل، والكف عن الكيل بمكيالين، أو كما قال البيان إنه "لا يمكن أن تحارب الانفصال في بلدك وتشجعه في بلد جار لك"...
فهذا السلوك، وغيره، يكشف عن مواقف إسبانيا العدائية واستراتيجياتها المسيئة تجاه قضية الصحراء المغربية، وعن تواطؤاتها مع خصوم المغرب من أجل المساس بالوحدة الترابية للمغرب...
ومما يؤشر إلى إرادة المغرب على الذهاب بعيدا في موقفه من الأزمة، الأسئلة القوية التي طرحها بيان الخارجية: كيف يمكن للمغرب في هذا السياق أن يثق مرة أخرى بإسبانيا؟ كيف سنعرف أن إسبانيا لن تتآمر من جديد مع أعداء المملكة؟ هل يمكن للمغرب أن يعوّل حقا على إسبانيا كي لا تتصرف من وراء ظهره؟ كيف يمكن استعادة الثقة بعد خطأ جسيم من هذا القبيل؟ ما هي ضمانات الموثوقية التي يتوفر عليها المغرب حتى الآن؟ في الواقع، هذا يحيل إلى طرح السؤال الأساسي التالي: ما الذي تريده إسبانيا حقا؟
وهنا، يطرح المغرب، كما سبق الذكر، جوهر المشكل: لا يمكن أن تحارب الانفصال في بلدك وتشجعه في بلد جار لك!
وفي هذا الصدد، تذكّر الخارجية بأن المغرب لم يسبق له أن استغل مطلقا النزعة الانفصالية. لم يشجع عليها أبدا كورقة في علاقاته الدولية، وخاصة مع جيرانه.
وقدّم المغرب نموذجا واضحا في هذا الصدد: لقد ظلت سياسة المغرب تجاه إسبانيا واضحة. فخلال الأزمة الكطلانية، لم يختر المغرب البقاء على الحياد، بل كان من أوائل من اصطفوا بوضوح، وبشكل صريح وقوي، إلى جانب الوحدة الترابية والوحدة الوطنية لجاره الشمالي.
ويبقى السؤال مشروعا: ماذا كان سيكون رد فعل إسبانيا لو تم استقبال شخصية انفصالية إسبانية في القصر الملكي المغربي؟ كيف كان سيكون رد فعل إسبانيا إذا تم استقبال هذه الشخصية بصفة علنية ورسمية من قبل حليفها الاستراتيجي، وشريكها التجاري الهام، وأقرب جار جنوبي لها؟
ثم تذكّر الخارجية بأمثلة معروفة وموثّقة:
في سنة 2012، على سبيل المثال، عندما قام وفد اقتصادي كطلاني بزيارة إلى المغرب، تم تعديل البرنامج، بناء على طلب الحكومة الإسبانية، حتى لا يتم استقبال هذا الوفد على مستوى عال، وحتى تتم جميع المباحثات التي يجريها بحضور ممثل سفارة إسبانيا في الرباط.
وفي سنة 2017، تبنى المغرب الاتساق نفسه في المواقف عندما رفض طلب زيارة ولقاء تقدم به زعيم كبير للنزعة الانفصالية الكطلانية.
ليخلص بيان الخارجية إلى أنه "من حق المغرب أن يتوقع من إسبانيا معاملة بالمثل. فهذا نفسه هو مبدأ أي شراكة حقيقية".
هذا ناهيك عن حالات تضامن المغرب مع إسبانيا، والأمثلة متعددة منها:
في سنة 2002، على سبيل المثال، وبعد غرق ناقلة نفط، فتح المغرب بسخاء مياهه الإقليمية أمام 64 سفينة صيد تابعة لمنطقة غاليسيا، رغم أنه لم تكن اتفاقات الصيد قد وُقعت بعد.
في سنة 2008، عندما كانت إسبانيا في أوج الأزمة الاقتصادية، قدم المغرب إعفاءات لاستقبال العمال ورجال الأعمال الإسبان بالمملكة بصدر رحب مع تمكينهم من الاستقرار وممارسة نشاطهم بها.
وفي أوج الأزمة الكطلانية، اعتمدت إسبانيا دوما على المغرب، الذي دافع، دون تحفظ، عن سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية، بالأفعال (حظر دخول الانفصاليين الكطلانيين إلى المغرب، ومنع جميع الاتصالات بين قنصلية المغرب في برشلونة والحركة الانفصالية الكطلانية)، وباتخاذ المواقف (بيانات داعمة واضحة وقوية).
روح التضامن نفسها ظلت سائدة على مستوى التعاون الأمني وفي مجال مكافحة الهجرة السرية. وهكذا، فقد مكّن التعاون في مجال الهجرة، منذ سنة 2017، من إجهاض أكثر من 14 ألف محاولة هجرة غير شرعية، وتفكيك 5 آلاف شبكة تهريب، ومنع محاولات اقتحام لا حصر لها.
كما مكّن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب من تفكيك عدة خلايا ذات امتدادات في كل من المغرب وإسبانيا وتحييد 82 عملا إرهابيا. تنضاف إلى ذلك المساهمة الحاسمة للأجهزة المغربية في التحقيقات التي أجريت في أعقاب الهجمات الدموية التي هزت مدريد في مارس 2004. وبالمثل، أفضى التعاون في مكافحة تهريب المخدرات إلى تبادل مثمر في حوالي عشرين قضية تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات.
هذه مجرد نماذج تعاون جزئية، ويبقى الأساس هو أنه "من حق المغرب أن يتوقع من إسبانيا معاملة بالمثل"...
والنتيجة المنطقية هي: فلتتوقّع إسبانيا من المغرب معاملة بالمثل... وهذا ما سيمضي فيه المغرب إلى مداه في حال إذا لم يقع تصحيح الخطأ الإسباني، آنذاك، مرحبا بكل المسؤولين الكطلانيين، وبالمرة، مرحبا أيضا بمسؤولي الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبايل "الماك"... وانتهى الكلام...