العبيد في مغرب الأمس القريب.. 1- الرق بدأ مع الرومان واستمر في ظل الإسلام
الكاتب :
"الغد 24"
حلقات يعدها الزميل محمد الخدادي عن العبيد في مغرب الأمس القريب
في إطلالة على عالم العبودية من ماض قريب، نقدم في حلقات رصدا لبعض مظاهر العبودية والرق بالمغرب في القرن التاسع عشر، بالاعتماد على كتاب للباحث المغربي السوسيولوجي محمد الناجي، عن "الجنود والخدم والجواري"، صدر في طبعة ثانية باللغة الفرنسية عن "منشورات إديف" عام 1994.
1- الرق بدأ مع الرومان واستمر في ظل الإسلام
سبقت ممارسة العبودية دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا والمغرب في بداية القرن الثامن الميلادي، وفي غياب أرقام، ولو تقريبية، قد يتراوح عدد العبيد على عهد الاحتلال الروماني للمغرب بين 8 و20 في المائة من مجموع السكان، جرى استخدامهم بالأساس في المناجم وفي الأعمال الزراعية، وخاصة في أراضي الإمبراطورة الروماني والأعيان من المعمرين.
لكن العبيد لم يشكلوا أبدا أغلبية وسط اليد العاملة في القطاع الزراعي، كما وجد عمل الرقيق في مجالات أخرى، مثل الأشغال المنزلية في المدن والتشغيل بالإدارات. أما أصول هذه اليد العاملة فتوزعت بين محلية من أشخاص جرى أسرهم واستعبادهم في الهجمات على القبائل المجاورة للمزارع أو المناجم والمدن، وبين أقلية من أصول زنجية من إفريقيا جنوب الصحراء. وتسجل الآثار الرومانية في عدد من المواقع بالغرب وجود عبيد سود لدى الأسر الغنية، لخدمة مائدة الطعام أو إعداد الحمام.
إلا أن وجود هؤلاء الأفارقة على الضفة الجنوبية للأبيض المتوسط يبقى غامضا في غياب أدلة على قيام تجارة رقيق عبر الصحراء في تلك الفترة، فإلى حدود القرن الرابع قبل الميلاد ظلت الصحراء بمثابة سد منيع في وجه أمازيغ شمال إفريقيا نحو الجنوب، إلى أن تحطم ذلك الحاجز في القرن الثاني للميلاد بعد وصول الجمل "قافلة الصحراء" إلى المنطقة، ليبدأ التحول التدريجي للصحراء من علم مجهول ومخيف، إلى مجال لتجارة القوافل على نطاق واسع.
مع وصول العرب إلى شمال إفريقيا، اتخذت هذه التجارة أهمية استراتيجية بتدفق الذهب والعبيد إلى الشمال من "بلاد السودان"، التي كانت تعني كل المنطقة الممتدة من نهر النيل شرقا إلى المحيط الأطلسي في الغرب. وتحدث الرحالة والجغرافيون العرب، مثل اليعقوبي والشريف الإدريسي، في القرن التاسع للميلاد، عن " مسالك مقفرة وقاحلة عبر الصحراء، على مسيرة حوالي خمسين يوما"، حيث "يحمل التجار المغاربة إلى بلاد السودان الصوف والنحاس... ويعودون بالذهب والعبيد".
ويوضح الإدريسي أن العبيد السود كان يجري أسرهم بالكمائن والهجمات من طرف سود آخرين، ثم يعرضون جماعات للبيع بـ"الجملة" للتجار، "وكان يصل منهم أعداد كبيرة إلى المغرب كل عام". فلا غرابة إذن أن يسجل الملاحظون منذ القرن التاسع للميلاد الوجود اللافت للسود في شمال إفريقيا، وكان قسم كبير منهم في خدمة الأمراء.
هكذا تكون الأصول الأولى للعبودية بالمغرب بعيدة الجذور، وسابقة على وصل العرب والإسلام إلى شمال إفريقيا. واخترقت القرون اللاحقة في ظل الإسلام، ثم استمرت رغم الضغط الأوروبي، بداية من منتصف القرن التاسع عشر، على البلدان الإسلامية من أجل إلغاء الرق.
الراجح أن عدد العبيد بالمغرب تقلص في القرن التاسع عشر باستغناء الدولة عن استخدامهم في الجيش، ثم بالضغط الأوروبي، لكن السؤال يظل قائما بشأن نسبة تلك الأقلية داخل المجتمع، خاصة وأن الملاحظين الغربيين المعاصرين لتلك الفترة لم تتوفر لديهم وسائل لتقدير معقول، فتحدث بعضهم عن مائة ألف عبد، بينما رفعه البعض الآخر بالنصف، أو أكثر أحيانا، باعتبار المناطق الجنوبية من البلاد حيث تركزوا سكان سود البشرة، ومولدون من بيض وسود، صنفوا خطأ ضمن العبيد بسبب اللون فقط. وهكذا وصل العدد في بعض التقديرات إلى خمسمائة ألف، أي عشر سكان البلاد.
وفي عام 1885، قدرت منظمة بريطانية لمحاربة العبودية عدد العبيد بالمغرب في حدود خمسين ألفا، وبعد ذلك التاريخ بقليل تحدث مبعوث لملكة بريطانيا، فيكتوريا، إلى المغرب عن ثلاثمائة ألف من العبيد.
ولا شك أن سبب التضارب في الأرقام والتقديرات يعود بالأساس إلى الخلط بين العبيد والمحررين، كما عكس الميل إلى رفع الأرقام وجود نظرة مسبقة لدى الأوروبيين بوجود أعداد كبيرة من العبيد في البلدان الإسلامية عموما.
ولم تخرج الذاكرة الشعبية المحلية عن قاعدة التضخيم والمبالغة، إذ لا تخلو القصص الشعبية من "الخادم الأسود"، كما دخل العبيد إلى الأمثال وتعابير الشتم والقدح، وأيضا إلى قصائد الملحون، التي ما زال بعضها ينشد إلى اليوم.