لو نتحرر من التمجيد وإسار التقليد.. كلام في ما بين نوال السعداوي والحاجة الحمداوية من التلاقي
الكاتب :
"الغد 24"
إبراهيم أعراب
على بعد أقل من أسبوعين، انتقلت إلى عفو الله كل من الكاتبة والمناضلة النسائية نوال السعداوي (الأحد 21 مارس 2021) والفنانة الشعبية الحاجة الحمداوية (أمس الاثنين 5 أبريل 2021)... وحتما تعرضت كلاهما لسهام الهجوم من طرف خصوم المرأة وأعداء الفن والغناء..
ورغم اختلاف مجال اشتغال كل من السعداوي والحمداوية، إلا أننا إذا لم نكن من محتقري الثقافة الشعبية والشفوية والعيطة، سنجد أن هناك في الحاجة الحمداوية شيئا من نوال السعداوي، وفي نوال السعداوي شيئا من الحاجة الحمداوية..
قد تكون المقارنة بين المرأتين صادمة للبعض، ولكن بالرجوع إلى سيرتيهما الذاتيتين، فقد كانتا معا في صف واحد ضد هيمنة الذكورة، وواجها معا الطابوهات والممنوعات كل واحدة حسب تخصصها ومجال اشتغالها، السعداوي بالكتابة عن المرأة والجنس والحرية والتحرر والوقوف ضد العادات الحاطة من كرامة النساء، مثل ختان البنات...، والحمداوية بالعيطة والغناء.. إذ غنّت في مواضيع ممنوعة وتثير حنق وغضب الفكر المحافظ الذي لا يستسيغ أصلا الفن والغناء، فما أدراك إذا كان من يقوم بذلك امرأة.. فهذا الفكر يلعن المرأة حتى ولو رفعت صوتها بذكر الله، أما الحمداوية فكانت ترفع صوتها وتتغني بالحب والعشق والغرام ومارتيني وماحيا العدوّة اللي زادوها سْباسَا وولاّت حلوة، وجلسات الأنس والزهو والنشاط... أي باختصار كانت عاشقة للحياة.. وجاءت وعاشت وانطلقت في حقبة من تاريخ المجتمع المغربي حيث نساء قليلات من امتلكن الجرأة على اقتحام مجال الفن والغناء..
وجدّدت الحاجة الحمداوية، بحاستها الإبداعية الفطرية، فن العيطة وساهمت في انتشاره وظلت، رغم ما لحقها من محن، صامدة.. اختفت ثم عادت وهي في سن متقدمة تحمل معها بنديرها وتحتل شاشة التفزيون في سهرات السبت مرددة "هزو بنا العلام زيدو بنا القدام إلى خيابت دابا تزيان".. ولم تستسلم ولم تنسحب، رغم ما قيل فيها وعنها، ناضلت وقاومت بعفويتها وبصوتها منذ الخمسينيات كامرأة مغربية، سواء الفكر الذكوري المحافظ، أو الاستعمار، فهي بفنها كانت مقاومة تحب وطنها وكانت صدى لما يفتعل في وجدان الشعب المغربي من توق للحرية والاستقلال ورجوع ملك البلاد المنفي الذي استبدله الاستعمار بابن عرفة.. وعبرت عن ذلك بالغناء وبفن العيطة.. كانت إذن امرأة حاربت في عدة جبهات.. مثلها مثل نوال السعداوي، فقط تنقصها القدرة على الكتابة لتصوغ كل ذلك في كتاب أو عدة كتب.. لكن، من منطلق التقدير الواجب لقيمة الثقافة الشعبية والثرات الشفاهي، فإن ما خلفته الحمداوية هو كتاب في حد ذاته، وحياتها هي بمثابة نص كانت تكتبه بأنفاسها وصوتها وبنديرها، وقد لا نحتاج لشهادة المدافعين عن الثقافة العالمة لنضعها في مكانة لا تقل عن مكانة كتب السعداوي، فهما معا امراتان.. اقتحمتا الممنوع وحصون الذكورة وجمود السائد والتقاليد، كل واحدة على طريقتها... ولكن، لأننا نمجد المكتوب، سنجد بيننا من يمنعه ذلك التمجيد من رؤية نقط التلاقي بين نوال السعداوي والحمداوية...