الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

استمروا في كراهيتكم لنوال السعداوي حتى تدخل الصغيرات والمظلومات والغافلات في حبها أفواجا

 
 
دينا أنور
 
نوال السعداوي ودينا أنور
 
غزوة الـ"هاهاهاها"، التي انتهجها حثالة البشر في اليومين الماضيين على نعيي للخالدة الدكتورة نوال السعداوي أثبتت لي العديد من الأمور:
أولها.. أنه ليس من المنطقي أبداً أن ننتظر أخلاقاً رفيعة من همج.. وليس من المنطقي أبداً أن ننتظر رُقياً من أحط سُكّانِ الأرض..
وليس من المنطقي أبداً أن ننتهج ديمقراطية ولا تدرجا ولا تسلسلا في توعية قطيع يُساقُ كالبهائم في غزوة ٍ رخيصة من خلف الكيبورد كفئران الظلام.. بينما هم في الحقيقة نصّابون ومتحرشون وإرهابيون ورِعاع وسوقة وحوش إلى أقصى ما عرِفت البشرية على مر العصور..
لطالما اتهمني الكثيرون، ومن بينهم أصدقاء مقربون، بالافتقار للدبلوماسية والديمقراطية وانتهاجي للخطاب الفوقي والنوعي وطردي للمخالفين لي من صفحاتي وعدم سماحي بالتعليق على منشوراتي للعامة وجعل صفحتي انتقائية نخبوية..
ولكنني اليوم أدركت تماماً أنني كنت على صواب.. وأن هؤلاء السَقطَة ليس لهم إلا الإجبار والإلزام بسيف السلطة والقانون.. وإلا التجاهل التام والتعامل معهم بطبقية المثقفين.. تماشياً مع السنة الكونية في الانتخاب الطبيعي.. وتحقيقاً لنظرية التطور التي تفرض حتمية البقاء للأصلح..
وربما هذا هو السبب الوحيد الذي جعلني أعشق نوال سعداوي حد الإجلال.. فقد كانت طيلة حياتها واضحة مباشرة صادمة فوقية الفكر.. لا تهتم لإرضاء الرعاع ولا تبحث عن مسايرة القطيع ولا تتلون كما الحرباء بحسب الموجة الرائجة كغالبية المثقفين والنخبة.. كانت امرأة في مجتمع ذكوري منحط ومنحل ومتطرف.. ورغم ذلك يخشاها أعتى الرجال..
أسعدتني جداً حالة الترهيب منها والتحذير من كتاباتها.. فهم يعلمون جيداً أن الحل الوحيد هو التنفير من الاستماع إليها والقراءة لها.. ماعدا ذلك هم الخاسرون حتماً وقولاً واحداً.. لأن القراءة لها تفتح بوابة التمرد وإعمال العقل ومحاربة الظلم وإقرار المساواة.. وهو ما يتعارض مع مصالحهم ومكتسباتهم على حساب النساء..
كان يا ما كان.. في يومٍ من الأيام.. كانت هناك بنت اسمها دينا.. سمِعت ذكراً ملعوناً من عائلة أمها يسب ويلعن في كاتبة تدعى نوال السعداوي ويتهمها بأبشع الصفات ويعيب خِلقتها.. وهو الذميم البذيء الذي سبق وتحرّش بأخته على السطح في فضيحة مدويّة.. ثم تاب وأناب وكبر وتزوج وحج واعتمر.. وعاد مطلقاً لحيته معتلياً منبر المسجد الذي بجوار بيته كمؤذن.. بعد أن غسل ذنوبه وعاد كما ولدته أمه بحسب معتقده.. وبعدها بات يضرب ابنته الوحيدة كل يومٍ بالخرطوم لأنها لا تصلي.. وكل نسوة العائلة كن يجتمعن على صراخ الطفلة ويخرجونها من تحت مخالبه كي لا تموت.. ثم يطلبون منها أن تعتذر منه وتقبّل يديه وهي تتلوى من الألم وتحترق من البكاء.. ويجبرونها أن تعده بالالتزام بالصلاة لأنه خائفٌ عليها من النار.. على أساس أن هذه الحياة الجهنمية ليست هي الجحيم بعينه..!!
قررت دينا بسبب هذا الوحش المتدين أن تبحث من تكون هذه النوال التي يكرهها هذا الملعون لهذا الحد..؟؟!!
فكانت طاقة النور التي فتحت لقلبها بوابة الفكر والتمرد والحرية والوجود.. كانت بداية المجد لميلاد فتاةٍ غير اعتيادية تفكر خارج الصندوق ولا تخشى الاختلاف ولا تهتم بكسب رضا الغوغاء.. ثم تطورت ونضجت حتى أصبحت تؤثر وتُقنِع وتُغيِّرُ حياة أشخاصٍ بأكملها من النقيض للنقيض..
كبرت دينا وتمكّنت من أفكارها واحترفت الكتابة.. حتى استطاعت بموهبتها أن تنال ثقة رئيس تحريرٍ ثقيل كالأستاذ إبراهيم عيسى لتكتب في جريدته "المقال"..
ثم كانت على موعدٍ مع الحظ حين قرأت لها د. نوال السعداوي العديد من المقالات وأعجبت بكتابتها وسألت عنها..!
استقبلت دينا خبر سؤال الدكتورة نوال عنها بفرحة من فازت باليانصيب.. معقول؟!.. أنا استطعت بقلمي الصغير أن ألفت نظر أيقونة حياتي من بين عشرات الكُتّاب؟؟!!
هاتفتها وأنا أرتجف.. بمجرد أن سمعت صوتها في الهاتف بكيت.. لم أتحمّل رهبة الموقف.. بادرتها بالحديث: أنا دينا أنور من "المقال" يا دكتورة.. أنا من مريديك وعشاقك يا ست الكل.. وطمعانة إني أقابلك ولو مرة واحدة في حياتي..
دكتورة نوال كانت معروفة جداً بحدتها وعمليتها وعدم تأثرها بالنفاق والتملق.. ولكن شعرتُ أنّها صدقتني... قالت لي كتاباتك رائعة يا دينا.. تعجبت جداً أنكِ شابة صغيرة.. ظننتك بروفيسورة تعيش في دولة أوروبية.. لم أصدق أن يخرج كل هذا الإبداع من شابة تعيش في مصر.. تعالي خليني أشوفك..!
اتفقنا على الموعد وذهبت إليها.. فتحت لي الباب بنفسها.. لم أتمالك نفسي وانحنيت أمام جلالها وبهائها.. وجدت نفسي أقبّل يدها ثم جبينها وأنا أرتجف..
نظرت إلي في ذهول.. قالت لي ما بلغني عنكِ أنكِ معتزة بذاتك جداً حد الغرور.. وأنكِ مدللة وتختلفين عني في الهيئة.. ولكن لا أعلم لماذا أشعر بفضول تجاه قصة محبتك لي..
جلست معها في مكتبها وسردت عليها أعظم مقولاتها في البرامج والكتب.. وكيف تحولت حياتي بسببها لنعيم إنسانة حرة بدلاً من شقاء جارية مستعبدة كغيري.. فقرّبتني منها ومنحتني ثقتها وشرف التواجد بجوارها في العديد من المحافل والمواقف.. وكنت المحظوظة الكبرى لكوني آخر من ناقشها في كتبها في آخر ندواتها بملتقاها الفكري في اليوم العالمي للمرأة عام 2018..!
الشكر كل الشكر.. لذَكَر عائلتي الملعون اللعين.. الذي كانت كراهيته لنوال بوابة بحثي عن كتبها وقراءتي لها ومشاهدتي للقاءاتها وتأثري بأفكارها.. وأتمنى أن يكون الآن يقرأ كلامي هذا.. لأنه سيعرف نفسه جيداً..
وأنتم أيها الملاعين.. تأكدوا بما لا يدع مجالاً للشك.. أن كل شيطانٍ فيكم سيتسبب بكراهيته العمياء لنوال في فضول طفلةٍ أو امرأة للبحث عن نوال والقراءة لها.. وهذا هو ما نريده.. ولا نطمح لشيء سواه...!!
استمروا في كراهيتكم لها.. حتى تدخل الصغيرات والمظلومات والغافلات في حبها أفواجاً..
فحب نوال يبدأ بكتاب.. بعشر دقائق على اليوتيوب.. وكراهيتكم لها هي خير دعاية.. وإعلاناتٌ بالمجان.. وفي عقر داركم.. فاستمروا كما هي مستمرّة..!
المجد لدائمة المجد.. د. نوال السعداوي...