"الغد 24" تنشر النص الكامل لرسالة وليد كبير إلى بن قرينة: المغرب دعّم الجزائر ونظامنا خائن وغادر
الكاتب :
"الغد 24"
اعتبر الناشط الجزائري، وليد كبير، أن المغرب دعّم كل ثورات الجزائر فيما النظام الجزائري خائن وغادر ودعّم حركة انفصالية ضد بلد جار...
وكتب وليد كبير، في رسالة مفتوحة وجهها إلى رئيس "حركة البناء الوطني" الجزائرية، عبد القادر بن قرينة، ردا على ما كتبه هذا الأخير حول معاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة بإفران في 15 يناير 1969 بين المغرب والجزائر، أنه "من المفروض أن الجزائر هي الدولة الأولى الداعمة للمغرب في ملف الصحراء، التي أعتبرها مغربية بحكم التاريخ والمنطق".
وقال، مخاطبا بن قرينة، إن "المغرب لا يهدد بتاتا السيادة الجزائرية، ولم يهاجم الأراضي الجزائرية بعد توقيعه للمعاهدة، بالعكس نظام الحكم في بلدنا احتضن جماعة انفصالية، (…) ودعّم البوليساريو بالسلاح والعتاد، وسمح لها بأن تهاجم المغرب انطلاقا من الأراضي الجزائرية، وهذا خرق سافر لمعاهدة إفران، وخصوصا في مادتيها الرابعة والخامسة، وتنكر لتنازل المغرب واعترافه بالحدود سنة 1972".
وسجل الناشط الجزائري أن نظام الحكم في الجزائر لا يهمه مصير المحتجزين في مخيمات تندوف، و"لا يهمه مصير الشعوب المغاربية التي ملت من بقاء فضائها المغاربي مشلولا.. ولا يهمه للأسف مستقبل الجزائر ووحدة أراضيها، فدعم حركة انفصالية خارج حدودك هو من باب المنطق فتح للأبواب أمام ظهور حركات انفصالية داخل حدودك"، داعيا بن قرينة إلى "مراجعة التاريخ لبناء المستقبل"، فـ"المغرب ليس عدوا، وليس مجرد بلد جار، بل بلد شقيق أخطأنا في حقه".
وندرج في ما يلي النص الكامل لرسالة الناشط الجزائري وليد كبير:
السيد عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني،
لقد كتبتم تدوينة استحضرتم فيها ذكرى معاهدة إيفران بين الجزائر والمغرب والتي وقّع عليها في 15 يناير 1969 من الجانب الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ومن الجانب المغربي أحمد العراقي، لكنه للأسف اخترتم هذه المناسبة لمهاجمة المغرب مجددا واتهمتم نظام الحكم في المملكة أن له أطماعا وأنه المعتدي على ما سميتموه بالشعب الصحراوي!
السيد بن قرينة
أخاطبكم بصفتي جزائريا ابن بلدكم ومن عائلة ثورية قدمت قافلة من الشهداء في سبيل تحرير الوطن، أخاطبكم كشخص نبش في التاريخ بأنامله وبحث في الأرشيف وحاور من عاشوا الثورة التحريرية، ومن كانوا شهودا على وقوف المغاربة بالنفس والنفيس بدءا من السلطان المجاهد محمد الخامس طيب الله ثراه والملك الحسن الثاني أكرم الله مثواه، فإنني أعتبر ما تفضلتم بكتابته هو ظلم وإجحاف في حق بلد جار قدم الكثير وتنازل عن أراضيه التاريخية لصالح بناء علاقات أسسها الأخوة وحسن الجوار.
سأشرح لكم لماذا قلت هذا الكلام، وسأبدأ معكم من نقطة بداية الحملة الفرنسية على الجزائر والتي أكد فيها المؤرخون وهذا موجود في أرشيف الباحثين في التاريخ بالجامعات الجزائرية، حتى لا يقال إنني مستند في كلامي على أرشيف من خارج الوطن، إن باي تونس وحاكم مصر أيدوا الحملة الفرنسية على الجزائر، في حين سلطان المغرب آنذاك مولاي عبد الرحمن العلوي ندد بتلك الحملة وأعلن دعمه للجزائريين، مما جعل سكان تلمسان يعلنون له البيعة، ووثيقة تلك البيعة محفوظة في خزائن فاس.
ثم توالى دعم المغاربة عندما أعلن الأمير عبد القادر الجهاد ضد الفرنسيين باسم سلطان المغرب، واستمر ذلك الدعم حتى توقيع معاهدة تافنة والتي تلقى فيها الأمير هدايا أرسلها لسلطان المغرب، فأدركت فرنسا ان إضعاف شوكة الأمير يمر عبر مهاجمة المغرب، فكان قصف طنجة والصويرة سنة 1844، ثم معركة واد إيسلي قرب وجدة التي انهزم فيها الجيش المغربي أمام القوات الفرنسية، وانبثق عنها معاهدة لالة مغنية القاسية، وأكرر أنها كانت قاسية لأنها أحدتث تغيرا تاريخيا في المنطقة، وأسست لزرع الحقد وسياسة فرق تسد بين الجزائريين والمغاربة، ولعلمكم فإنني أنتمي إلى إحدى القبائل التي ذُكر اسمها في المعاهدة.
سأنتقل بكم الآن إلى أطول مقاومة شعبية والتي قادها الشيخ سيدي بوعمامة طيب الله ثراه، وشارك فيها جدي الحاج سليمان كبير إلى جانبه ضد الاستعمار الفرنسي وأُعلن فيها الجهاد باسم الإسلام، ألم تكن تلك المقاومة نتاج جهاد مشترك بين الجزائريين والمغاربة؟ ألم يولد الشيخ سيدي بوعمامة بفجيج المغربية وأن المنية وافته بالعيون سيدي ملوك غرب وجدة؟ ثم هل تعلمون أن سيدي بوعمامة كان مبايعا لسلطان المغرب، وأن مقامه يحظى بالرعاية الملكية إلى يومنا هذا؟
سأعرج بكم الآن إلى بداية القرن العشرين عندما بدأ الاستعمار الفرنسي في اقتطاع الأراضي التاريخية للمغرب والتي لم تشملها معاهدة لالة مغنية التي كانت محددة فقط شمالا من قلعة عجرود أي السعيدية إلى غاية ثتية الساسي جنوبا، أما باقي المناطق الممتدة نحو الصحراء، فسكانها كان لهم ارتباط روحي مع المغرب بحكم مبايعة السلطان، وكان لهم ارتباط إداري بحكم الظهائر الشريفة التي كانت تعين القواد وخلفاؤهم في تلك المناطق والذي كان آخرهم القايد إدريس بن الكوري على منطقة توات والذي هزمته قوات الاستعمار في عين صالح سنة 1900.
آخر الأراضي التي سيطرت عليها فرنسا كانت تندوف التي أسستها قبيلة تجكانت المعروفة والممتدة بالمغرب وموريتانيا منذ سبعة قرون، تندوف التي كان على رأسها باشا معين بظهير مخزني، تندوف التي رفض سكانها عند استفتاء تقرير المصير الشعب الجزائري المشاركة فيه بحكم أنهم مغاربة، ولكم أن تطلعوا على الأرشيف الفرنسي، وبدوري سأنشر في المقال وثيقة تم تسريبها مؤخرا تؤكد ما أكتبه!
بعد اندلاع الثورة التحريرية، وقرار السلطان الراحل محمد الخامس دعم الجزائريين لنيل استقلالهم، حاول الاستعمار استمالة السلطان كي يوقف دعمه مقابل التفاوض على إرجاع الأراضي التي اقتطعها من المغرب، لكن محمد الخامس رفض بشدة ذلك العرض وواصل دعمه للثورة وتم الاتفاق بين الحكومة المغربية والحكومة المؤقتة الجزائرية لبحث مسألة الحدود بعد استقلال الجزائر، لكن شاءت الأقدار أن يلتحق محمد الخامس بالرفيق الأعلى قبل استقلال الجزائر بسنة!
بعد الاستقلال، حدث ما حدث سنة 1963 في حرب الرمال، ثم جاءت معاهدة إيفران التي استحضرتموها اليوم وتلتها معاهدة تلمسان والتي توجت بعد سنتين باتفاقية ترسيم الحدود الذي تنازل فيها المغرب بشكل نهائي عن المطالبة بالأراضي التي كانت تابعة له مقابل استغلال مشترك لمناجم غار جببلات، وكان تعهد شفهي آنذاك من الراحل بومدين تجاه الحسن الثاني، أن تدعم الجزائر جارها المغرب في معركة تحرير الصحراء التي كانت تحت الاحتلال الإسباني!
لم يقدر نظام الحكم في الجزائر قيمة التنازلات التي قدمها المغرب مقابل السلام وحسن الجوار، وارتكب بومدين رحمه الله الخطيئة ونقض العهد الذي أعطاه للملك الحسن الثاني على مرتين الأولى عندما تم توقيع معاهدة ترسيم الحدود سنة 1972 والثانية في القمة العربية التي انعقدت في الرباط وهناك تعهد بومدين مرة أخرى للحسن الثاني أن يدعمه في ملف الصحراء مقابل أن يقنع ملك الأردن بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وكان له ذلك واعترف الأردن في تلك القمة بياسر عرفات رحمه الله.
السيد بن قرينة، أدعوكم إلى الاتصال بمصالح رئاسة الجمهورية الجزائرية لتزويدكم بالمادة الأرشيفية التي تتضمن خطاب الرئيس الراحل هوراي بومدين رحمه الله في الذكرى العاشرة للتصحيح الثوري 19 يونيو 1975، في هذا الخطاب قال بومدين بالحرف الواحد: "بالنسبة لنا فإن رجوع الصحراء الغربية مغربية أو موريتانية المهم أن ترجع أرض عربية إسلامية"، وأتمنى أن تنشر نص الخطاب كاملا حتى يقرأه الجميع.
بعد أيام أوفد بومدين عبد العزيز بوتفليقة إلى الرباط وأُصدر بيان مشترك من هناك أكدت فيه الجزائر دعمها للمغرب، لكن بعد رجوع بوتفليقة تغير كل شيء وحدث ما حدث!
السيد بن قرينة، أردت استحضار هذه المحطات التاريخية كي ندرك جميعا حجم الخطيئة التي ارتكبها نظام الحكم في بلدنا تجاه المغرب الذي قدم تنازلات كبيرة وتصرف بحكمة، لكن حكامنا كانوا متعجرفين ومتنكرين للتاريخ وللتضحيات ومازالوا، وإنني أعتبر ان هذا التصرف مجرد نصب واحتيال وخداع.
من المفروض أن الجزائر هي الدولة الأولى الداعمة للمغرب في ملف الصحراء التي أعتبرها مغربية بحكم التاريخ والمنطق وأن دعم حركة انفصالية ضد الجار هو عمل مجانب للصواب وخطيئة كبرى في حقه وفي حق مستقبل الجزائر والمنطقة المغاربية، وتنفيذ لأجندات الاستعمار الذي يخيفه اتحادنا وتكاملنا ولا يعجبه أن نكون على كلمة واحدة.
السيد بن قرينة، المغرب لا يهدد بتاتا السيادة الجزائرية ولم يهاجم الأراضي الجزائرية بعد توقيعه للمعاهدة، بالعكس نظام الحكم في بلدنا احتضن جماعة انفصالية، وتدخل جيشنا في الأراضي المغربية بالصحراء بأمغالا ودعم بوليساريو بالسلاح والعتاد وسمح لها بأن تهاجم المغرب انطلاقا من الأراضي الجزائرية، وهذا خرق سافر لمعاهدة إيفران خصوصا في مادته الرابعة والخامسة، وتنكر لتنازل المغرب واعترافه بالحدود سنة 1972!
من المعتدي إذن يا السيد بن قرينة؟ أليس نظام الحكم في الجزائر؟ عن أي تقرير مصير تتحدثون عنه؟ كيف إن توجهكم الإسلامي المؤمن بوحدة الأمة من جهة، ومن جهة أخرى تدافعون عن تقسيم بلد جار مسلم؟ ثم ألم تنتبهوا أن كل الدول العربية والإسلامية تدعم المغرب ووحدة أراضيه إلا بلدنا الجزائر؟ يعني كلهم على خطأ إلا نحن؟؟
نظام الحكم في الجزائر لا يهمه مصير تلك الساكنة في مخيمات تندوف ولا يهمه مصير الشعوب المغاربية التي ملت من بقاء فضائها المغاربي مشلولا وعنوانا بارزا لبراثين الفقر والهوان ولا يهمه للأسف مستقبل الجزائر ووحدة أراضيه فدعم حركة انفصالية خارج حدودك هو من باب المنطق فتح للأبواب أمام ظهور حركات انفصالية داخل حدودك!
عليكم مراجعة التاريخ لبناء المستقبل والمغرب ليس عدوا وليس مجرد بلد جار بل شقيق وكما نحب الخير لأنفسنا علينا أن نحبه لشقيقنا الذي أخطأنا في حقه!