الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الجنرال الجزائري سعيد شنقريحة

لسنا دعاة حرب ولكن الجنرال شنق ريحة "ناوي خزيت"

 
محمد نجيب كومينة
 
 
لسنا دعاة حرب، وكنا على مدى عقود من الزمن ندعو إلى البحث عن السبل التي تجنب إخوةُ الاقتتالَ وتجعل الأفق المغاربي مفتوحا على أمل التعاون والتكافل والتكامل والاستفادة من الإمكانيات، التي يتيحها السلم والاستقرار لبناء تنمية مشتركة وللنهوض بمستوى معيشة الساكنة المغاربية التواقة إلى إنهاء الخلافات والصراعات المفتعلة ومخلفات وإرث الاستعمار...
 
لكن يتبين أن النظام الجزائري يرى غير ذلك، ويعمل باستمرار ليس على إضعاف جيرانه المغاربيين في الغرب والشرق واختلاق المشاكل والهروب من الحلول والسعي لتخريبها كلما ظهر له أنها بدأت ترتسم في الأفق، وهذا ما لا يمكن أن يثير الاستغراب أو التعجب عندما نعرف أن هذا النظام قام في الأصل على أساس تخريب الثورة التحررية الجزائرية نفسها عندما قام بالانقلاب على الحكومة المؤقتة الجزائرية فيي صيف 1962 بعد دخول جيش الحدود دخول الغزاة وتصفيته للقيادات الوطنية ودفع عدد من الرموز الأساسية إلى المغادرة نحو المنافي، وكذلك عندما نعرف أن النظام الذي قام على هذا الانقلاب قد فوت على الشعب الجزائري فرصة بناء دولة مدنية ديمقراطية وأقام نظاما عسكريا وأبقى الدولة رهينة له، وخصوصا بعد الانقلاب الثاني سنة 1965 الذي أطاح بأحمد بنبلة، الوحيد من بين القيادات التاريخية لحركة التحرير الوطني الذي قبل التورط في الانقلاب الأول مقابل الرئاسة، بحيث باتت الدولة في الجزائر هي الجيش والجيش هو الدولة وكل ماعدا ذلك مجرد تغليف وضحك على الذقون...
 
وعندما نعرف أخيرا أن النظام الجزائري القائم على انقلاب 1962، الذي التحق به عدد من قدماء ضباط الجيش الفرنسي، قد حافظ على عقيدة موروثة عن الجزائر الفرنسية، أي عن الاستعمار، حتى ولو ادعى العكس على مستوى الخطاب، بحيث ترسخ لديه ميل ساذج إلى الهيمنة الإقليمية التي تتجاوز في منظوره منطقة المغرب العربي لتشمل جواره في البلدان الواقعة في الصحراء الإفريقية، وهو نفس ميل الاستعمار الفرنسي الذي كان يرغب في البقاء والخلود في الجزائر وألحق بها أراضي مقتطعة من الجيران الذين كان يستعمرهم، ومنها أراضي تندوف وبشار والقنادسة وجزء من فكيك رفض المغرب التفاوض مع الفرنسيين بشأنها واتفق مع الحكومة الجزائرية المؤقتة قبل الانقلاب عليها على إيجاد حل لها بعد استقلال الجزائر في إطار التضامن المغاربي، ليواجه بعد ذلك غدر وتنكّر من احتضنهم في وجدة والناضور ومن عمل على تدريبهم في بوزنيقة ومن كبروا وتربوا وتعلموا في مختلف مدنه وحظوا بعطف واحتضان المغاربة.
 
وقد كان المغرب مستهدفا من طرف هذا النظام في وحدته الترابية مند استرجاعه لأقاليمه الجنوبية لأنه، وكما قال بومدين بعظمة لسانه، الوسيلة لعرقلة تنمية المغرب وإضعافه وعزله عن جارته موريتانيا وعن عمقه الإفريقي التاريخي، وبالتالي ثنيه عن طرح المشاكل الحدودية، التي لم تحل رسميا إلى اليوم.
 
وفضلا عن الإرث الاستعماري الذي بقي متمكنا من النظرة الجيوسياسية الإقليمية للنظام الجزائري وموجها لسلوكه تجاه جواره، فإن عقدة التاريخ، انضافت إلى مشاكل الجغرافيا، لتؤجج عداء لم يفلح المغرب في تليينه رغم مبادراته المتعددة لفتح صفحة مستقبلية قائمة على التواصل والتعاون والتكامل بين بلدين وشعبين يجمع بينهما الكثير والمصير المشترك.
 
ويواجه المغرب، اليوم، في ما يبدو، ليس التمادي في نهج عدائي فقط، وإنما تطرفا في تصريفه، وذلك بعدما تولى السلطة الفعلية الجنرال سعيد شنقريحة، عقب تصفية گايد صالح والجناح الموالي له وسط العسكر والمخابرات. وبشكل يتطلب منا هنا في المغرب الاستعداد لكل ما يترتب عليه بيقظة دائمة. ذلك أن شنقريحة الذي شارك في الحرب ضدنا في أمغالا وغيرها وكان في القيادة العسكرية لمنطقة تندوف لردح من الزمن وتحكم خلال ذلك في التوجيه الميداني للانفصاليين وفي تدريبهم وتنظيمهم، وكان أول مسؤول جزائري استعمل صيغة "العدو المغربي" بلا تردد ولا تحفظ، يمكن له بدافع الحقد والارتباط الوثيق بالانفصاليين أن يدفع نحو مغامرات غير محسوبة العواقب، خصوصا وأن الرجل معروف بضعف قدراته السياسية وطبعه الحاد، ولولا أنه كان قد عُيّن من طرف گايد صالح كقائد للقوات البرية لإغلاق الطريق في وجه جنرالات آخرين لهم ولاء للجنرال توفيق، وجرت العادة أن يتولى القيادة العامة للجيش قائد المشاة، لَمَا كان قد وقع عليه الاختيار للمنصب الذي يحتله اليوم نظرا لما سبق. لكن المنصب يتيح له إمكانية التحكم في مفاصل الدولة الجزائرية وفي الرئيس تبون، الذي يبقى أضعف رئيس جزائري أمام العسكر والمخابرات، والتحكم أيضا في الانفصاليين الذين يعرفونه جيدا ويعرفهم جيدا بحكم أنه من تولاهم لزمن طويل.
 
إن التحركات العدائية المتواترة للانفصاليين بهدف استفزاز المغرب، وأيضا موريتانيا التي تتخوف من أثر تدهور الأوضاع في منطقة قريبة جدا من شريان اقتصادها (السكة الحديدية لنقل معدن الحديد ومدينة نواذيبو) ومن ممارسات انتقامية كما في السابق، لا تعود فقط إلى رغبة في الهروب إلى الامام بعد التطورات التي عرفتها قضية الصحراء وكانت كلها لفائدة المغرب، وبعد أن اشتدت الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالجزائر وانهيار عائدات صادرات المحروقات، وبشكل يجعل الأفق مظلما، بل تعود أيضا إلى شخص الحاكم الفعلي الحالي الذي يعتبر المغرب عدوا، وإلى الضعف البين للنخبة التي وقع عليها الاختيار لتدبير الشأن الجزائري وعدم قدرتها على تحقيق أي استقلالية، ولو في حدود دنيا، عن شنقريحة ومن يأتمرون بأمره.
 
إن المنطقة في وضع بالغ الهشاشة بسبب التطرف الذي غزا النظام الجزائري، ويمكن أن يقود الجزائر نفسها، ذات الحدود المشتركة مع مجموعة دول توجد في حالة عدم استقرار وتواجه خطر الإرهاب الإسلاموي، إلى كوارث ما لم يأت ما يحد من ذلك التطرف...