يرمز الغراب في الثقافة العربية إلى الشؤم والشر والإنذار بالخراب، وبغض النظر عن صدق هذا الاعتقاد، وعما إن كان الغراب قد تعرض للظلم بهذا التوصيف، فإن ما يهمنا في هذا السياق هو الإنسان الغراب الذي ينتمي إلى فصيلة الغراب الأبقع (الخبيث)، ويستوطن الأماكن الخربة، ولا يكف عن النعيق في كل مكان وطأته قدمه، ولا يكل من ممارسة أساليب الخبث والمكر والرغبة في إيذاء الآخرين، ويسدر في تفكير شيطاني دائم في حفر القبور ومواراة أصحابها بالتراب، إرضاء لسادية غريبة تطفح بها نفسه المريضة بداء العدوانية والوسوسة الشيطانية.
في مدينتي بدأ الإنسان الغراب مسيرته مناضلا، أو هكذا توهم، أو وَهَّمَ الناس قبل أن ينتقل إلى ممارسة الغربانية بشكل مكشوف تارة، وبتورية لا يجيد أداءها إلا الراسخون في السلوك الغرباني تارة أخرى، يتقمص شخصية نيرون كل صباح، فيشعل النيران هنا وهناك، ويتملى برؤية اللهيب، حتى إذا خمدت النار أصيب بخيبة الأمل وانكسرت نفسيته، وانكفأ على ذاته باكيا متألما، ممنيا النفس باشتعال جديد تطفئ جذوتُه حرقةَ الخيبة المتقدة.
حكاية الإنسان الغراب في مدينتي تلخصها قصة الشاعر "تيد هيوز" الذي خان زوجته الشاعرة "سيلفيا بلات"، فلم تجد غير الانتحار سبيلا للتخلص من العار، ولم يجد هو غير نشر ديوان شعري بعنوان "الغراب" الذي وظف فيه هذا الطائر بوصفه رمزا للظلام والعنف والقسوة...، كذلك شأن غراب مدينتي الذي خان المدينة، وكان سببا في نكوصها ونكبتها واندحارها، وكتب قصة غُرَابِيَةً ممهورة بمداد يتقطر خبثا ومقتا وحقدا على ورق المدينة الذي استحال أسودَ فاحما يبكي الناظرين، ويثير في نفوسهم كل مشاعر الأسى والأسف على حالها البئيس ومنظرها المقزز.
ربما كان الشاعر راجم غيب حينما حذر من هذا الإنسان الغراب حين قال:
ومن يكن الغراب له دليلا // يمر به على جُثَتِ الكلاب
وبالمناسبة هي وصية من ذهب لأخذ الحيطة والحذر من هذا الغراب الذي لا يتوقف عن ارتياد مواقع الرذائل والشرور، ولا يكف عن طرق باب الشر، منتظرا فرصة انفتاحه على مصراعيه ليقع جاثيا على ركبتيه فرحا وفرقا باللحظة المائزة التي هي لحظة الخراب
إذا كان الغراب دليل قوم // سيهديهم إلى دار الخراب
إذا كان الغراب دليل قوم // فلا فلحوا ولا فلح الغراب