الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الوزير المندحر محمد يتيم والوزير الأعجوبة محمد أمكراز

تعاضدية الموظفين.. هكذا ركعت نقابة الاستقلال للبيجيدي وهكذا خطط الخوانجية للتحكّم في التعاضدية

 
تحليل إخباري: جلال مدني
 
هناك عملية فرز اجتماعي وسياسي كشفت عنها انتخابات مندوبي التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، بين معسكر التقدم، الذي تآمروا عليه لإبعاده عن التعاضدية، ويمثله كل من الفدرالية والكونفدرالية والمنظمة الديمقراطية للشغل، إضافة إلى الاتحاد المغربي للشغل (ربما؟)، ومعسكر التخلف والمحافظة والظلامية، الذي يمثله كل من نقابة الاستقلال ونقابة البيجيدي...

انتخابات تعاضدية الموظفين ستشكل، بالنسبة للمراقبين، تيرمومتر الساحة الاجتماعية والسياسية، في المشهد المغربي المقبل، الذي ستكون أبرز معالمه هو انكشاف الوجه الحقيقي لحزب الاستقلال، وخروجه من الصف الوطني الديمقراطي، وتبلور صورته الجديدة كحزب يميني محافظ رجعي، موقعه الحقيقي هو إلى جانب النكوصية والظلامية، التي يمثلها حزب العدالة والتنمية، وأول انعطافة، في هذا الصدد، كان على الساحة الاجتماعية، بالتحالف الطبيعي والمنسجم داخل معسكر التخلف الظلامي، واجتماع وجهي العملة الواحدة: الاتحاد العام للشغالين والاتحاد الوطني للشغل...

لنبدأ، أولا، بالأرقام، التي سبق الإعلان عنها، فهناك تضاربات في أرقام نتائج انتخابات مندوبي تعاضدية الموظفين، بيد أن أبرز النتائج، المتواترة كثيبرا نجدها في بعض الوثائق، التي بعث لنا بها ديوان وزير الشغل والإدماج المهني، ومفادها أن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب تصدر الترتيب بحصوله على 112 مقعدا من أصل 400 مقعد بالجمعية العمومية للتعاضدية، وفي المرتبة الثانية الاتحاد المغربي للشغل الذي حصل على 56 مقعدا، ثم الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في الرتبة الثالثة 48 مقعدا، وبعدها الفيدرالية الديمقراطية للشغل 38 مقعدا، ثم الاتحاد الوطني للشغل 25 مقعدا...

وأود، هنا، أن أعتذر لعموم القراء، ليس على النتائج، التي أعلنتها، فكل الأرقام المعلنة، إلى حدود الساعة، تبقى أرقاما مؤقتة وغير رسمية، إلى حين الإعلان عن النتائج رسميا، غدا الثلاثاء، من قبل المتصرف المؤقت المكلف بانتخابات التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، وتأملوا اسمه العجيب والتحفة وهو: رفيق الأزمي الادريسي... وهذا الشخص، يقدمونه باعتباره كان موظفا في التعاضدية، وأنه لا ينتمي لأي حزب سياسي، وهذه من النكت السمجة المثيرة للسخرية، إذ إن "الإخوان" استقدموه من المجلس الأعلى للحسابات، التي كان موظفا به كمتصرف، ليجلبوه إلى وزارة التشغيل، ويكلفوه بالتعاضد، في انتظار النجاح في إعمال الفصل 26، ليكون هو من يرسلونه إلى التعاضدية، وليكون هو المشرف على تنفيذ باقي خطوات خطة "التمكين" الإخوانية، ليقودها إلى حين وصولها إلى آخر محطة وهي إعلان نتائج الانتخابات غدا الثلاثاء، وهناك من يقول يوم الخميس المقبل.. وهناك من يطعن في هذه الأرقام التي يروجها الخوانجية والاستقلاليون، ويقولون إن العكس هو الصحيح، وإن الفدرالية تتصدر نتائج الانتخابات، وإن هناك عودة قوية للمندوبين السابقين، ما يعني نصر مستحق للرئيس عبد المولى عبد المومني الذي تآمر عليه الوزير اليتيم المندحر بتواطؤ من بعض النقابات.. بغض النظر عن كل هذه التضاربات، سأفترض أن النتائج المعلنة من قبل الخوانجية وتابعيهم الاستقلاليين قد تكون صحيحة، في هذه الحالة سأبني عليها هذا التحليل.. أما في الحالة المعاكسة، أي فوز الفدرالية، ومعها المناديب السابقون، فستتغير خلاصة واحدة في التحليل، وهي المتعلقة بهيمنة الخوانجية، ويبقى الجوهر قائما، هو انحياز الاستقلال إلى البيجيدي...

الاعتذار هو ما اعتقدت أنه فشل لخطة "التمكين" الإخوانية، والحال أن هذا "الفشل الذريع" تدخّل فيه عنصر إضافي، لم يكن في الحسبان، وهو نقابة الاستقلال، التي لم يكن أحد يفكر أنها مخترقة حتى القاع من قبل الخوانجية، إذ ذكرت مصادرنا الخاصة أن هناك اجتماعات سابقة على الانتخابات، لعب فيها الخوانجية على الانتهازية و"اللهطة" المتمكنة من عناصر الاتحاد العام للشغالين، التي يسيل لعابها على "التكسب" و"المنافع"، وهو ما التقطه الخوانجية جيدا، وقاموا بإجراء تعديل على خطة "التمكين"، بدفع عناصر نقابة الاستقلاليين ليلعبوا دور أرانب السباق، مع فارق جوهري وهو دعم "الأرانب" ليفوزوا فعلا بالسباق، ويلعبوا بهم دورا مؤقتا لفترة انتقالية، "باش ما يعيقوش البشر ويجبدوا عليهم النحل"، في حال إذا فازوا بالانتخابات، ووضعوا اليد على التعاضدية، وفق ماكان مرسوما في خطة التمكين، التي وضعها الوزير المندحر محمد يتيم، ويكملها الوزير الأعجوبة محمد أمكراز...

لكن، حسب خطة التمكين الإخوانية، ماذا إذا ركب الاستقلاليون رؤوسهم وأعماهم الطمع واللهطة وأرادوا العصف بنقابة البيجيدي؟ هنا دخل في الخطة تكتيك "المستقلين" أو "اللامنتمين"، بإغراق الانتخابات بمرشحين موالين للبيجيدي، والدفع بهم بقوة للفوز في الانتخابات، ليكونوا هم صمام أمان خطة التمكين، الذين سيمكّنون الخوانجية من أن يصفعوا الاستقلاليين، إذا ما عنّ لهم أن يصدقوا أنهم فعلا فازوا بالانتخابات... لتكون النتيجة أن الخوانجية قد وضعوا اليد، فعلا، على تعاضدية الموظفين...

الإيجابية الوحيدة في هذا المسلسل هو تعرية الوجه الحقيقي للاستقلاليين باعتبارهم يمثلون، في المرحلة المقبلة، الحزب اليميني الرجعي المحافظ، الحليف القوي لحزب الإخوان المسلمين في المغرب، وبالتالي، سيبصم الاستقلاليون، في عهد نزار بركة حفيد الزعيم السلفي علال الفاسي، على نهاية مرحلة "الصف الوطني الديمقراطي"، الذي لم يعد قميصه يواتي الحزب الاستقلالي، وجاء الوقت ليمزّق القميص وينحاز إلى الجهة الحقيقية التي تمثله، والتي ستقوده، والتي سيقدم لها أصول الركوع والخضوع والولاء المبين ولا الضالين، فسيدهم الجديد سعد الدين العثماني يلتقون معه في أكثر من 90 في المائة من مبادئ الخوانجية القائمة على الشريعة الإسلامية، أفضل لهم ألف مرة من إدريس لشكر ونبيل بنعبد الله وعبد اللطيف وهبي، الذين يبقون من "الضالين"، يناصرون المساواة الكاملة بين الجنسين، بما فيها الإرث، ويؤيدون إلغاء عقوبة الإعدام من القوانين الجنائية، ويدافعون عن الحريات الفردية والعلاقات الرضائية وعن أولوية حقوق الإنسان الكونية على الخصوصية الوطنية، وهي كلها مبادئ يناهضها حزب الاستقلال، بحكم مرجعيته اليمينية المحافظة، التي جرته، اليوم، إلى الانحياز بوضوح إلى معسكر التخلف والظلام... هناك من سيقول: وما مصير التنسيق الثلاثي: الاستقلال والبام والتقدم والاشتراكية؟ الجواب بسيط جدا، ذاك الشي غير قصارة في انتظار المعركة الحقيقية، التي سيظهر فيها الفرز الحقيقي، وهي الاستحقاقات المقبلة، التي ستعيد رسم الخريطة السياسية في بلادنا...

كيف نجح البيجيدي في تحقيق أهداف خطة "التمكين" الإخوانية في انتخابات التعاضدية؟

هناك حلقات مركزية متسلسلة، ابتدأت بتطبيق الفصل 26، باعتباره السيف الوحيد الذي بإمكانه زعزعة ثقة المنخرطين في أقوى نقابة في التعاضدية وهي الفدرالية الديمقراطية للشغل، من خلال البروباغاندا، والذباب الإلكتروني، واللعب على الشعارات، وعلى محاربة الفساد والمفسدين، وعلى عملية التهييج، التي راح ضحيتها العديد من الديمقراطيين، الذين لم يترك لهم الذباب، لفعاليته وقوة تأثيره، أن يلتقطوا الأنفاس ليسألوا أنفسهم سؤالا بسيطا جدا وهو: قبل أن يرددوا شعارات ببغاوية، آنذاك، عليهم أن يصارحوا أنفسهم، اليوم، هل تعرّفوا على حقيقة الوضعية المالية الجيدة، التي وصلت إليها التعاضدية، نتيجة لتبني الأجهزة المسيرة والمقررة، آنذاك، لسياسة ترشيد النفقات وتحسين العائدات المالية وإصلاح وتقويم الوضع المالي، فضلا عن تسديد وتسوية الالتزامات المالية للتعاضدية العامة اتجاه شركائها والأغيار؟ هل علموا أن حسابات التعاضدية العامة انتقلت من عجز يفوق مليار سنتيم ونصف في سنة 2008، إلى فائض تجاوز 11 مليار سنتيم في سنة 2018، دون احتساب المبالغ المستحقة لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، وأن القيمة المالية للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية تجاوزت 108 ملايير مع متم النصف الأول من سنة 2019، مقابل 98 مليارا خلال نفس الفترة من السنة التي سبقتها، ثم يأتي وزير إخواني في آخر سويعات عمره الوزاري البئيس، لتنفيذ مخطط حزبه الإخواني، الذي حمله معه منذ دخوله إلى الوزارة، وهو يخوض ويقود حملة شرسة ضد التعاضدية وأجهزتها المسيرة، والتي كان هدفها اقتلاع الفدرالية الديمقراطية للشغل وإحلال مكانها الاتحاد الوطني للشغل...

وها هو الهدف تحقق، عبر نقابة الاستقلال، التي ستكتشف، بعد حين، أنها ليست مجرد بيدق في أيدي الخوانجية فحسب، بل إنها ملزمة بتنفيذ التوجيهات، في البداية ستأتيها برفق وبديبلوماسية، وبعدها ستتحول التوجيهات إلى أوامر و"اللي دوا يرعف"!

نعود إلى خطة التمكين الإخوانية، بعد العثور على البيدق، ممثلا في النقابة الاستقلالية، سيجري الانتقال إلى العمل على تأمين العملية الانتخابية حتى لا تكون هناك مفاجآت، مع العمل على تصفية مكونين لا يؤتمن لهما جانب، خصوصا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، المرتبطة، مبدئيا ونظريا، بفدرالية اليسار الديمقراطي، الذي يحمل مواقف ومبادئ على النتقيض من نقابة الخوانجية الظلامية، فضلا عن محاولة اجتثات الفدرالية الديمقراطية للشغل، ومعها المنظمة الديمقراطية للشغل، وعلى سبيل الاحتياط، أيضا، دحر الاتحاد المغربي للشغل... لذلك ورغم كل المخططات، التي جرى تنفيذها، ومع ذلك حصلت الكونفدرالية على 48 والفدرالية على 38، فهذا نجاح كبير ومستحق، في تقديري، لأن تلك المقاعد انتزعتها النقابتان بنضال مرير، لأن المخطط كان يمضي في اتجاه ألا يتعدى عدد المقاعد المحصل عليها لكل نقابة سقف 10 مقاعد، وهذا يعني أن المناضلين الفدراليين والكونفدراليين خاضوا معركة شديدة التعقيد، معركة شرسة اخترقوا فيها الحواجز، التي نُصبت وراء أظهرهما، ليستطيعا الحصول على تلك النتائج...

العناصر الإضافية، التي جرى اللعب عليها، لتحقيق "التأمين" المنشود لخطة "التمكين"، تتمثل في الآتي:
 
إقصاء، ولأول مرة يحدث هذا، أعضاء المجلس الإداري الأخير للتعاضدية من الترشح في انتخابات المناديب ممثلي المنخرطين، بداعي أنه تم عزلهم بناء على الفصل 26... وهنا سيلعب المتصرف المؤقت المشرف على الانتخابات، رفيق الأزمي الإدريسي، (إيييه أس: رفيق الأزمي الإدريسي) دورا خبيثا في تهييء ملفات العزل حتى يحضى بالقبولية لدى القضاء الإداري...
 
عِلمًا، بل الجميع يعلم، وأنا أيضا أعلم، لأنني كتبت عن الموضوع في حينه، وهو تطبيق الفصل 26 على المجلس الإداري للتعاضدية لسنة 2009، في عهد الرئيس الشهير محمد الفراع، ومع ذلك لم يُمنع الأعضاء، الذين طُبق عليهم الفصل 26 من الترشح في الانتخابات، بمن فيهم الفراع نفسه...
 
باقي فصول خطة "التمكين" تتمثل في هيمنة وزارة الشغل والإدماج المهني، من خلال المتصرف المؤقت رفيق الأزمي الإدريسي (واييييه كيف كتسمعوا رفيق الأزمي الإدريسي)، على مراكز القرار في التعاضدية، بما في ذلك القفز على صلاحياتها، وبشكل خاص التحكم في جميع العمليات الانتخابية، بما في ذلك جدول تواريخ الاقتراع، وأمكنة الاقتراع، وهي المديريات الجهوية والإقليمية لوزارة الشغل والإدماج المهني، وليس مقرات التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، وحيث إن أغلب المشرفين على صناديق الاقتراع هم من الوزارة نفسها بدل الإشراف المعتاد لموظفي التعاضدية...
 
ولذلك، من الطبيعي أن تكون النتائج كما يجري تداول أرقامها المبعثرة، ولذلك يحتفل الفائزون في نقابة الاستقلال، وينشطون ويمرحون، فيما هم لا يعلمون أنهم أصبحوا "ضحكة" عند الخوانجية، الذين سيقودونهم حيث يريدون، كما يشاؤون، وأنى يشاؤون، و"اللي شاف شي حاجة يقول الله يستر ولا يتبلى"...