الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
من اليمين: الكاتب الصحافي بوشعيب الضبار رفقة الفنان محمد نضراني بعدسة زليخة أسبدون

محمد نضراني.. السجين السياسي المختطف الذي تعلم أبجديات الرسم بالبن والفحم

 
بوشعيب الضبار
 
أمضى محمد نضراني جزءا من شبابه في مقابر الأحياء، السجون، أو ما يسمى بـ"المدافن السرية"، صحبة رفاقه في النضال مولاي إدريس الحريزي، ومحمد الرحوي، وعبد الرحمان فنسي، وعبد الناصر بنوهاشم، الذي حملت المجموعة اسمه، خلال سنوات الاحتقان السياسي.
 
في تلك الغياهب، وبعيدا عن عيون الجلادين، أعداء الحرية، ولدت موهبة محمد نضراني الفنية كرسام ساخر، في قلعة مكونة التي اشتهرت، ويا لمكر المفارقات الغريبة، بموسم الورود.
 
حكايته مع الكاريكاتير نسجت الصدفة خيوطها الأولى: قطعة صغيرة من الفحم اكتشفها ذات يوم في الزنزانة، فاستعملها في الرسم، فكانت بمثابة الشعلة التي قادته نحو منبع النور.
 
قال لي إن أول رسم له كان هو الحصان بما يرمز إليه من حرية وركض في البراري.
 
وحين انتهى "العمر الافتراضي" لقطعة الفحم استبدلها بالبن.
 
يتذكر السي محمد نضراني: "كان حراس المعتقل يقدمون لي كل صباح قدحا من القهوة، كنت أشرب النصف، وأحتفظ بالنصف الآخر لاستغلاله في الرسم بواسطة فرشاة صنعتها من بقايا أثوابي الرثة، ومن أعواد الحصير، وكانت أرضية الزنزانة بمثابة اللوحة التي أرسم عليها، بعد طلائها بالطين المبلل الذي ما إن يجف حتى يعطي قشرة تشبه الصلصال".
 
استلهم من وضعيته كسجين سياسي أشكالا وألوانا فنية، ذات رؤى مختلفة.
 
وحين كانت الزنزانة تتدثر بالصمت ليلا، إلا من أنفاس السجناء، كان هو يرسم أفقا جديدا في خياله، مفتوحا على الحرية والانعتاق من أسوار المعتقل.
 
عند استسلامه لسلطان النوم يرى نفسه طائرا يهفو للتحليق في الأعالي، لكنه مكبل بالقيود.
 
ظل هذا الكابوس يطارده ليلا حتى بعد خروجه سنة 1984 من المعتقل، نتيجة الاعتقال التعسفي، بعد اختطافه، مساء يوم 12 أبريل سنة 1976، بتهمة الانتماء إلى منظمة "إلى الأمام" الماركسية اللينينية.
 
في يوم 19 يناير 2003، عاد محمد نضراني إلى معتقل قلعة مكونة، زائرا هذه المرة، رفقة "مجموعة بنو هاشم" وطاقم قناة "الجزيرة"، فبحث عن آثار تلك الرسوم، التي تركها في زنزانته، إلا أن غبار الزمن محاها نهائيا.
 
في تعامله مع أسبوعية "الأيام" كرسام كاريكاتير، أبان عن حس نقدي عميق من خلال نظرته إلى السياسة بعين ساخرة، منكبا على الحفر بريشته لفضح مكامن الخلل وبؤر الفساد، منكبا على قضايا حقوق الإنسان.
 
أسفر تعاون نضراني مع هذه الأسبوعية عن ظهور كتاب من الحجم الكبير بعنوان "توابيت الكومبليكس"، يرصد فيه، عبر الأشرطة المرسومة، وقائع معاناته كمعتقل سياسي سابق لمدة تسع سنوات، وقد أهداه إلى والدته، وإلى أمهات ضحايا الاعتقال القسري.
 
استمرارا في نهج الأشرطة المرسومة أيضا، صدر، عن "منشورات الأيام"، الكتاب الثاني لنضراني بعنوان "الأمير ابن عبد الكريم الخطابي"، خصصه لكفاح بطل الريف في حربه ضد الاسبان.
 
ونضراني مخرج سينمائي أيضا، أنجز فيلما توثيقيا روائيا بعنوان "على خطى الفوسفاط"، بالاشتراك مع المخرجة مليكة المنوك، عن قصة اكتشاف "الذهب الأبيض" في المغرب.