جانب من وقفة سكان اليوسفية يوم الجمعة 11 سبتمبر 2020 احتجاجا على المياه الملوثة
باشا اليوسفية يترك الفساد والمفسدين ويمنع احتجاج المواطنين لإرغام السكان على شرب المياه الملوثة
الكاتب :
جلال مدني
جلال مدني
في الوقت، التي قوبلت احتجاجات المواطنين في عدد من المدن المغربية بآذان صاغية من السلطات العمومية، آخرها احتجاجات السكان بالآلاف في مدينة طنجة، سرعان ما حل بين ظهرانيهم عدد من المسؤولين، في مقدمتهم وزير الداخلية، عبد الواحد لفتيت، والمدير العام لمديريتي الأمن الوطني و"الديستي"، عبد اللطيف الحموشي، في التفاتة طيبة كان لها وقع طيب على نفوس الجماهير الغاضبة، لكن ةفي مدينة اليوسفية، خرج شخص مسؤول برتبة باشا، ليشهر الزرواطة، ولغة التهديد البصروية البائدة، في وجه سكان مدينة الفوسفاط، الذين ضاقوا درعا بشرب المياه الملوثة، ليمنعهم من الاحتجاج، وليرغمهم على الإضرار بصحتهم وصحة أبنائهم، وليرميهم في أتون الإسهال والمغص ومضاعفات خطيرة لا يعلم أحد كيف سيكون مداها، في مقبل الأيام، على صحة وحياة السكان...
وكان سكان مدينة اليوسفية، الذين أنهكتهم المياه الملوثة، يزمعون تنظيم مسيرة تُتوّج بوقفة احتجاجية أمام وكالة توزيع الماء، يوم غد الثلاثاء 14 سبتمبر 2020، قبل أن يخرج باشا المدينة، الذي يبدو أنه قادم من كهوف سحيقة تعود إلى زمن إدريس البصري، زمن القمع والبطش البائد، ليرسل قرار المنع إلى كل من وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية باليوسفية، والقائد الإقليمي للقوات المساعدة، والقائد الإقليمي للوقاية المدنية، واستل الباشا سيف التهديد، محمّلا منظمي الوقفة والمسيرة "التبعات القانونية الناتجة عن مخالفتهم لمضمون" قرار المنع، كما عهد إلى "السلطات المختصة ترابيا والسلطات الأمنية، كل في دائرة اختصاصه، للسهر على تطبيق القرار"...
واستند قرار المنع، الذي ينشر موقع "الغد 24" صورة له، على حالة الطوارئ الصحية، وعلى تقييم الوضعية الوبائية، وقرارات اللجنة الإقليمية لليقظة ذات الصلة بتفشي وباء كورونا، ليعتبر أن "الوقفة والمسيرة المزمعين تنظيمهما بالشارع العام تشكل تهديدا للأمن والنظام العامين والصحة العامة في ظل تفشي فيروس كورونا كوفيد 19، وخرقا للإجراءات التي سنتها السلطات العمومية للحد من تفشي هذا الفيروس".
وقال مراقبون إن مثل هؤلاء المسؤولين هم من يزيدون في إضرام نيران الغضب الشعبي، الذي سينفجر، عاجلا أم آجلا، في وجوههم، عوض أن يتحلوا بالمسؤولية، ويفتحوا حوارا مع الفعاليات المدنية المحلية، ويستمعوا إلى مطالبهم، وإلى اقتراحاتهم، لأن هؤلاء المواطنين لا يطالبون بشيء آخر غير العناية بصحتهم فقط، وإنقاذهم وأبنائهم من المياه الملوثة، التي نغّصت عليهم حياتهم، ثم البحث معهم في أجدى السبل للوصول إلى حلول مثمرة ومنتجة تضع مصلحة صحة وحياة السكان فوق أي مصلحة أخرى، لكن هؤلاء "المسؤولين" لا يعرفون عن المسؤولية شيئا بقدر معرفتهم فقط بأسلوب الزرواطة، التي رفعوها في وجه السكان، وبذلك يصطفون مباشرة إلى جانب الفساد والمفسدين، ويشمّرون عن سواعدهم للانتقام من المواطنين...
يشار إلى أن المكتب الوطني للماء الصالح للشرب أقدم، مؤخرا، على تزويد المدينة بمياه الشرب انطلاقا من محطة التصفية "سبت المعاريف"، التابعة لإقليم سيدي بنور، والتي تُعالج بها مياه نهر أم الربيع السطحية، التي تستقبل الفضلات المنزلية والمخلفات الصناعية، وتُرمى فيها الحيوانات النافقة، بعدما كان الماء الشروب يُجلب إلى اليوسفية من مياه "البحيرة" الجوفية الواقعة بجماعة سبت الخوالقة، التابعة لإقليم اليوسفية، والتي تعد أكبر بحيرة جوفية بإفريقيا، وكان ومازال من نتيجة هذه القرارات الفاسدة، أن السكان هم من يؤدون دائما ثمن المفسدين، إذ أصبحوا يتعرضون لآلام مبرحة على مستوى الجهاز الهضمي، وشعور بالغثيان، وإصابة أبنائهم بتسممات متتالية، إلى درجة أن العديد من الأسر باتت تنتقل إلى ضواحي المدينة لجلب الماء الصالح للشرب من آبار البوادي...