الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أي أفق لفكرة التحكم القبلي في ترشح البيحيدي

 
نوفل البعمري
 
فكرة دفع العدالة والتنمية إلى تقليص مشاركته الانتخابية لضمان تشكيل حكومة برأس أخرى، هي فكرة لا يمكن الاصطفاف وراءها، ليس لأننا نريد للعدالة والتنمية أن يحصل على المرتبة الأولى، ولكن لأنها فكرة تتناقض والديمقراطية، وتتناقض جذريا مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان في أبعادها الكونية، التي تكرّس المساواة أمام صناديق الاقتراع، فإذا كانت الأحزاب الأخرى ضعيفة وفاشلة وغير قادرة على الإطاحة بالبيجدي انتخابيا، فلا يمكن أن يكون ليّ عنق الديمقراطية هو الثمن، إذ يفترض أن الممارسة الديمقراطية تتقدم، وفق منطق التطور التاريخي، وليس العودة إلى الوراء، وتكريس التحكم في الاختيارات والإرادات والحساسيات والتيارات وصنع الخرائط السياسية...
 
البعض يعطي مثالا بانتخابات 1997، التي شهدت مشاركة محدودة للعدالة والتنمية في الانتخابات، لست معنيا، هنا، بتبريرها، ولكن يمكن شرحها وموضعتها في سياقها المجتمعي العام، الذي كان، آنذاك، مرتبطا بحدثين:
 
الأول، بناء الثقة بين التيار الإسلامي الانتخابي وبين الدولة، وبالتالي كان هناك مسار إدماجي متدرج لهم في الحياة العامة، وكانت من أهم مداخله تحقيق مشاركة متحكم فيها...
 
الثاني، أن البلاد كانت مقبلة على انتقال ديمقراطي، وكانت مساهمة البيجيدي آنذاك في هذا المسلسل محسوبة، من خلال دفع عناصره إلى مشاركة انتخابية منظمة ومؤطرة كمًّا وكيفًا، تحسبا لأي ارتباك محتمل في التحضيرات السياسية الكبرى للانتقال الديمقراطي، الذي عاشته بلادنا آنذاك...
 
اليوم، تجاوزنا، من جهة، منطق الاندماج والإدماج السياسي لهذا الحزب في الحياة العامة، وتجاوزت البلاد الأسلوب، الذي كان اختطه الراحل إدريس البصري في المقاربة السياسية والمقاربة الانتخابية، والتي كان التحكم في "الخرائط الانتخابية المخدومة" جزءا جوهريا من منظومتها السياسية...
 
كما تجاوز المغرب، من جهة ثانية، منطق الانتقال مؤسساتيا، إذ رغم ما يثار هنا وهناك، من فقاقيع إعلامية، فالثابت أن هناك استقرارا مؤسساتيا عاديا، وأي دعوة لتقليص مشاركة البيجيدي في الانتخابات المقبلة، هي تشكيك رسمي وسياسي في مسار الانتقال الديمقراطي وعودة للحظة 1997 وما سبقها من أحداث سياسية...
 
الديمقراطية لا يمكن إلا أن تواجه بالمزيد من الديمقراطية، وإسقاط العدالة والتنمية لا يمكن إلا أن يكون عن طريق انتخابات حرة، مفتوحة ونزيهة، وبدل التفكير في التحكم القبلي في صنع خريطة سياسية، وجب التفكير في كيفية إقناع المغاربة بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، وخلق أجواء تنافسية عادية، ودفع الأحزاب السياسية لتحمل مسؤولياتها الأساسية، التي تخلت عنها وتركت فراغاتها لتتسلل منها "تفاصيل الشياطين"، وتترك الصناديق تحت رحمة الملتزمين الدينيين، هذا ما وجب التفكير فيه، أي خوض معركة سياسية لا هوادة فيها من أجل أن يكون الشعب على بينة مما هو فيه، وعلى بينة مما يُطرح أمامه من عروض سياسية هي التي ستقرر مصيره لخمس سنوات مقبلة، وأن مصيره لا يجب أن يكون رخيصا لدرجة تركه بين أيدي من يستغلونه ويقهرونه في معيشته وفي صحته وتعليمه وشغله وفي بطالة أبنائه، هذا ما يجب التفكير فيه، وما دون ذلك، أعتقد، شخصيا، أن التحكم القبلي في ترشح البيحيدي سيكون ارتدادا رسميا إلى سنوات بائدة، من شأنه أن يزج بالدولة في صراع مصنوع ومخدوم قد يحرق الأخضر واليابس، لأنه سيكون من الخطر دفع الدولة إلى أتون تطاحن سياسي وانتخابي، قد يفتح الباب أمام الآفاق المظلمة...
 
محام وباحث في ملف الصحراء