الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

البراءة من العلوم


مصطفى لمودن
 
لا يهم مَن بدأ ومن في الطريق ومن هو قاب قوسين أو أدنى مِن اكتشاف تمنيع ضد آفة كورونا، لا يعنيني في شيء أن تكون روسيا أو أمريكا أو الصين أو أي دولة من الغرب قوية لها الإمكانات والطاقة البشرية والتقنية للبحث العلمي والاختراع والاكتشاف.. ولا كل الجدل المُقام حول دعم هذا بسبب الميول، والقذح في ذاك لأنه لا يروق...، بقدر ما يهم إعادة طرح سؤال "لماذا تقدم الآخرون، وتأخرنا نحن"؟ سؤال بقي بدون جواب منذ قرن من الزمن!
لماذا تتوفر لهم أجواء البحث العلمي؟ لماذا يعيشون على وقع الاختراعات والإبداعات المستمرة؟
هل ذلك يتطلب ثروة وتنظيما وتنمية الكفاءات البشرية؟
إذن هم بشر، ونحن بشر كذلك. فأين الفرق؟
بَدّد العرب مثلا ثروة هائلة بعد اكتشاف النفط.
ولو أرادت الدول "الإسلامية" تحقيق شيء نافع، لما منعها أحد. لها من القدرات ما لا يحصى.
فأين المشكلة؟
هل توجد المشكلة في الأنظمة السياسية وعقلية البشر ونزوعهم نحو الاتكالية؟
هل في تأخر التعليم؟ والذي يبدو أنه فقط نِتاج عوامل أخرى، ومن تمظهرات العُقدة المستعصية.
قد تجد مَن يُفترض فيه التوفر على عقلية علمية، يحتل مكانة لائقة في عالم الجامعة، أو ببعض المهن كالطب.. ولكنه، في واقعه مرتبط بالوهم أكثر مما هو معني بالعلم، فقد يكون مريدا لاهثا وراء شيخ، أو منتميا ومدعما لتنظيمات الإسلام السياسي.. والتي غرضها الأول هو الوصاية على الناس، إذا لم يكن العالم بأسره.
هذا بالنسبة لمن "علا" شأنهم في مجال تخصصاتهم التقنية..
أما بالنسبة لبقية الناس، فقد تجد منهم مَن يُركز على الآخرين ويسعى للتأثير عليهم وفق منطقه وعقليته، بل ويراقبهم كيف يلبسون وكيف يتحدثون وماذا يفعلون..
بل حتى جل الدول (المعنية بالتأخر) همها الأساسي مراقبة تصرف الناس في ما يخص شؤونهم الخاصة التي لا تؤثر على أحد.
فكيف في ظل هذه الأجواء ينشأ ويترعرع البحث العلمي والإبداع؟
والبعض يتوجس من البعض، وطرف يراقب طرفا، وطائفة تُعدّ المقالب للآخرين..
هذا لا يعني أن الغرب جنة حرية. ولكنهم هناك يتدافعون من أجل الصالح العام، لهم مؤسسات تحاصر الخداع والتحايل.. يشعر الفرد بمسؤوليته نحو الوطن، ويتحمّل مسؤوليته كاملة في أطار دولة المواطنين، التي تُشرّع لنفسها بنفسها القوانين المناسبة للزمن..
لا يعني هذا أن سكان الغرب كلهم ملائكة. ولكنهم هناك يشعرون أنهم بشر لا غير، وهم سواسية أمام القانون..
أما وضعنا فجدُّ حَرِج..
هناك مَن لا يؤمن بالمواطنة، ولا بالحق في التشريع..
هناك من يؤمن بحتمية الطبقية، ويرى أن الرفاه أو الفقر مقدران ولا دخل للإرادة البشرية فيهما بشيء.
هناك من يُلغي حتى ذاته، ويرى أنه مسير مِن ولادته إلى نهايته ومغادرته هذا العالم.
فكيف إذن يتواجد بيننا لقطاء اسمهم البحث العلمي والإبداع والاكتشاف؟
لعل ذلك بدعة تقود إلى الضلالة ثم الضياع..
إننا برآء من جميع العلوم كبراءة الذئب من دم يوسف..
 
كاتب وفاعل مدني