الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

بضع أسئلة على هامش محن الناس مع التعليم الخصوصي

 
عز الدين بونيت
 
يشتكي أولياء أمور التلاميذ، هذه الأيام، من عسف وجشع ارباب المدارس؛ ويطلب ارباب المدارس من صندوق التضامن ان يدعم مقاولاتهم لمواجهة آثار الجائحة. وينتفض الفايسبوك ضد هذا الطلب عديم الذوق. في الأثناء، بالكاد يتذكر الناس أجراء هذه المقاولات، من مدرسين وأطر تربوية وتقنية. تهدأ العواصف، ويستسلم الجميع الأمر الواقع، دون ان يتجاوز الحال بضع عبارات غاضبة حانقة..
 
لماذا لا يتذكر الناس الأجراء؟ في الغالب، لأننا لم نسمع لهم صوتا.. ولماذا لا نسمع لهم صوتا؟ لأن هذا القطاع هو أضعف القطاعات المهنية تأطيرا نقابيا.. ولأن المركزيات النقابية تكاد تهمله في نضالها وعملها التأطيري.. بل يخيل إلي أنه أقل القطاعات احتراما لمقتضيات قانون الشغل. فهو القطاع الذي نسمع فيه أجيرا يرتجف حين يتحدث عن مشغله، ويصف هذا المشغل بأنه متغول، ويتحين الفرص للإفلات بجلده من براثن هذا المتغول.. وهو القطاع الذي التقيت فيه بعدد من الأجراء يجهلون مقتضيات قانون الشغل. هذا الضمور النقابي لا نجده حتى لدى عمال الضيعات...
 
وكم شغلتني مفارقة عجيبة وقفت عندها طويلا، دون ان أصل إلى تفسير لها: يعتبر أساتذة التعليم العمومي من أكثر الموظفين تنشيطا للقضاء الإداري، بالنظر إلى عدد القضايا التي يرفعونها سنويا ضد قرارات الإدارة التعليمية في حقهم. وبالمقابل فإن زملاءهم في القطاع الخاص لا يكادون يعرفون طريق مكاتب مفتشي الشغل، بالرغم من شكاواهم وتبرمهم المعلن والخفي من قرارات مشغليهم. هل يتعلق الأمر بتفاوت في الوعي المهني بين زملاء في المهنة لا يفرق بينهم سوى الإطار الشغلي؟ أم إن هناك تفسيرات أخرى لهذه الظاهرة؟ لماذا لا نسمع بمعارك اجتماعية في قطاع التعليم الخاص؟ لماذا لا نسمع عن حوار اجتماعي في هذا القطاع؟ لماذا لا نسمع عن اتفاقيات شغل جماعية تهم مهنيي القطاع؟ لماذا لا نقرأ عن مواقف نقابية تخص الشغيلة وظروف الشغل في قطاع التعليم الخصوصي؟ هل أجراء التعليم الخاص ليسوا جسما مهنيا قائما بذاته؟
 
وكما أننا لا نسمع صوت الأجراء، فإننا لا نكاد نسمع لأولياء التلاميذ صوتا، في مواجهة ما يسمونه، من جهتهم، تغولا وجشعا لا حدود له لأرباب المدارس. صحيح إننا نسمع أصواتا متفرقة تجأر بالشكوى، لكننا لا نسمع صوتا منظما متراص الحروف متناغم الايقاع. لم نسمع مبادرات لجمعيات الأولياء، تخص تنظيم العلاقة مع المؤسسات، التي تقدم لأبنائهم الخدمات التعليمية. لا أعرف أبا أو ولي أمر وقع عقدا مع مؤسسة تعليمية يحدد بوضوح التزامات الطرفين. ولم أسمع عن مبادرة من أي نوع تستهدف السعي إلى تقنين القطاع. ولم أسمع عن أي إجراءات تحمي المستهلك وتضمن تطبيق قانون المنافسة، بالرغم من الخروق الفاضحة لمقتضياته. ينسى الأولياء أنهم في موقع الزبناء، وأن الزبون في الاقتصاد الحر ملك؛ ونراهم بدلا من ذلك يتصرفون كعبيد لا حول لهم ولا قوة. ألهذا الحد بلغ التغول بأرباب المدارس حتى صاروا هم الطرف الأقوى في مواجهة طرفين مترهلين مستسلمين؟ في حين أن المنطق كان يقتضي العكس.
 
من اين يستمد هذا الطرف تلك القوة؟ أليس من ضعف الطرفين الآخرين؟ ما الذي يمنع الطرفين من أن ينتظما في إطارات نقابية للزبناء وللشغيلة تعمل، من جهة على فرض إطار قانوني واضح للعلاقة بين الأولياء والتلاميذ والمدارس؛ ومن جهة أخرى على فرض تطبيق قانون الشغل بصرامة في القطاع، وهيكلة حوار اجتماعي محدد الأهداف، وموحد المعايير.
 
المعنيون المباشرون بالتعليم الخصوصي (الأولياء والأجراء) هم أيضا مسؤولون عن مضمون علاقتهم بأرباب المدارس، ولن ينوب عنهم أحد في بلورة صيغ المواجهة والتصدي للجشع والتغول اللذين هم ضحاياه.
 
كاتب وباحث ومخرج مسرحي