الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

كل شيء نسبي

 
حنان درقاوي
 
إلى واحد من محبي البصل القلائل الذين يفهمون النسبية محبوب الشاشة ياسين عدنان
 
عمري أربعة عشر عاما وقد رحلنا إلى أزرو مدينة خضراء تنام في حضن الأطلس المتوسط الغني، وينام أغلب ناسها جائعين، مع أسرتي أسكن حيّا أنيقا في بيت كولونيالي بحديقة تطل على نهر تيط حسن، المليء بالأزبال، والذي تنز منه رائحة نتنة..
البيت به ثلاث غرف فقط وصالون، غرفة الوالدين، وغرفة لنا نحن الأطفال الخمسة، وغرفة جلوس، وصالون مقفل تحسبا للضيوف لكي يعرفوا أن لدينا تلامط الموبرة والكانابي العصري الذي لم نجلس عليه يوما، ونتكدس بناتا وأولادا مراهقين في نفس الغرفة.. ولكن تنظيم البيت من تراثنا وأصالتنا.. ماذا سيقول الضيوف إذا لم يكن لدينا صالون؟ أين كرمنا وكرامتنا ونحن حفدة حاتم الطائي؟
أرى في المجلات المصورة صور غرف أطفالٍ وبناتٍ وردية..
أنظر إلى الكاتريات التي ننام عليها وأحمد الله على نعمة صناعتنا التقليدية..
كل شيء نسبي ونحن أفضل أمة أخرجت للناس..
نستقبل الضيف على كانابي عصري ونكدس أطفالا يقرأون كتبا عصرية، فيها غرفة لكل طفل بقلوب حمراء، في غرفة واحدة..
كل شيء نسبي..
الحمد لله على نعمة الاطفال أولا وأخيرا..
كم واحدا عقيما غنيا يطلب الأطفال ولا يجدهم..
كل شيء نسبي..
الحمد لله على تكدسنا وتزاحمنا ورصنا الصفوف ولو كانت أجساد أطفالنا..
كل شيء نسبي..
لا أحب النسبية، أريد غرفة وسريرا حقيقيا وأجوبة لأسئلتي..
كل شيء نسبي..
هناك من لا يطرح حتى الأسئلة ويطرحه الفقيه أرضا..
كل شيء نسبي..
علي فقط أن أدرس القانون وأصير محامية كما يود أبي بهوس واضح أو معلمة كما كانت تريد حورية خادمتنا الرائعة وهي ملاك عبر من مائدتي..
أو ربما أصير لا شيء كما تريد أمي التي هي لا شيء أيضا ولولا أنها تنز منها رائحة بصل لصارت شفافة تماما..
كل شيء نسبي..
هناك من لا يستطيع حتى شراء البصل وهناك من لا أم لا شيء له..
وهناك من بصله لا رائحة له..
وهناك من لا يشم..
كل شيء نسبي..
الحمد لله على البصل واللاشيء والفقيه والصالون المقفل على الدوام..
كل شيء نسبي لكن الفقيه لديه المطلق وصالون مفتوح ربما..
كل شيء نسبي..
هناك من لا فقيه له ولا مفتاح صالون أيضا..
هناك من لا مطلق لفقيهه فيضيع ويفتح الصالون ويشم البصل ويصادق الأغنياء الذين لا أطفال لهم..
كنت لا أزال أمسك كتابا عن النسبية العامة لإينشتاين، قال أبي إنها أهم نظرية علمية، وهو فعل ذلك خلال عطلتي الصيفية لحقد قديم أو لأنني رفضت أن يوجهني علمي وهو كان مستشار التوجيه في إعداديتي..
أحرجته أمام الجميع واخترت آداب الفقراء الذين لا يصادقون الأغنياء العقيمين..
الكتاب طلاسم وأنا أريد أن أعرف كم بصلا شم إينشتاين ليخترع النسبية..
يعني أنت تتحرك ولكن لا تعرف أنك تتحرك والقطار يسير..
المكان ينحني على الزمان وهذا من ننائج النسبية العامة..
الفاصل الزمني بين حدثين متغير من مراقب إلى آخر حيث يعتمد على السرعة النسبية للجمل المرجعية للمراقبين..
نسبية التزامن، يمكن لحدثين متزامنين يحدثان في نفس الوقت في مكانين منفصلين ضمن جملة مرجعية أن يكونا غير متزامنين متعاقبين بالنسبة لمراقب في جملة مرجعية أخيرة..
نسبية القياس يمكن لعملية القياس التي يجربها مراقبون في جملتين مرجعيتين مختلفتين أن تعطي نتائج وقياسات مختلفة لنفس الشيء المقاس..
نسبية الزمن ومفارقة التوأمين..
الزمن ليس مطلقا وإنما يعتريه الانكماش باقتراب سرعة مكانه من سرعة الضوء..
يبدو أن إينشتاين حاقد كبير على الجميع ليقول أشياء لا يفهمها مُحبّو البصل..
كان علي أن اقوم بعرض شفوي عن النسبية الخاصة لأبي وأنا عمري أربع عشرة سنة..
كل شيء نسبي.. هناك من لا أب له ولا عمر له حتى..
الحمد لله على إينشتاين وزمنه النسبي..
يحمينا قليلا من الفقيه وزمنه المطلق كمكانه...
 
كاتبة ومحللة نفسانية