كان البرلمان التونسي على موعد ديمقراطي ومؤسساتي جذير بالانتباه إليه وإلى بعده الديمقراطي والمؤسساتي، وتأثير هذا التمرين على الحياة السياسية في تونس، وهو تمرين يعيد إلى الأذهان، نحن في المغرب ممن نتابع المشهد هناك، نستحضر جزءا من تاريخ المعارضة في المغرب، خاصة الاتحادية، عندما كانت تقدم ملتمسات رقابة، رغم علمها بخسارتها عدديا، لكن سياسيا كانت عنوانا لانتصار ديمقراطي، هو نفسه بشكل أو بآخر عاشه البرلمان التونسي، الذي أصبح اليوم الصراع فيه واضحا، صراعا سياسيا بفرزٍ لقوى الحداثة، التي تقودها اليوم البرلمانية عبير موسى، التي رغم كل ما قيل عنها وما وُجّه لها من اتهامات، إلا أنها ظلت تعبر على امتداد سياسي لفترة بورقيبة، التي أسس فيها لتونس المدنية، هي ومختلف الكتل البرلمانية، التي دعمتها في سحب الثقة من راشد الغنوشي، الذي كان قد التزم سنة 2011 بعدم الترشح لأي مسؤولية سياسية في تونس، وقوى المحافظة، التي تقودها حركة النهضة.
التمرين التونسي قد يكون في جوانب منه مرتبطا بتفاعلات الأزمة الليبية، التي تحولت لأزمة إقليمية باصطفافات متباينة، ونظرا للقرب التونسي لليبيا ولما شكلته في السنوات الأخيرة ملاذا للتنظيمات الإرهابية قبل أن يتم توجيه ضربات لها ومحاصرتها، الأزمة الليبية وانهيار محتمل للدولة الليبية مع مختلف التهديدات لدول الجوار على رأسها تونس، التي تحتاج اليوم إلى الاصطفاف أكثر وراء اتفاق الصخيرات لدعمه، باعتباره المخرج السياسي الوازن للأزمة الليبية وللحفاظ على ليبيا موحدة، وبناء مؤسسات الدولة الليبية على أسس تحقق الأمن والديمقراطية.
ما حدث في تونس، وبغض النظر عن نتائج التصويت، التي قد تبدو عدديا أنها حافظت على الغنوشي في رئاسة البرلمان التونسي، فإنه من الناحية السياسية أدى إلى الإعلان عن صوت سياسي يتشكل من حوالي نصف أعضاء البرلمان التونسي يطالبون فيه بالحفاظ على مدنية الدولة التونسية، والمبادئ التي تأسست عليها في مرحلة بورقيبة، هذا الصوت رغم الاتهامات التي وجهت له خاصة منها الدعم الخارجي، إلا أنه يظل صوتا سياسيا لتعبير مجتمعي تونسي واضح، يمتد ليشمل قوى سياسية ومدنية وشبابية تونسية ضد هيمنة التيار الديني على مؤسسات الدولة التونسية، وعلى التشريعات التي يصدرها البرلمان التونسي.
التمرين التونسي هو تمرين ديمقراطي، تمرين من داخل الدستور وتفعيل لحق الكتل البرلمانية في سحب الثقة من رئاسة البرلمان التونسي، درس لا يبدو أنه فُهم من أنصار التيار الإخواني في تونس، وفي المغرب كذلك، من خلال تدوينات المحسوبين عليه في المغرب، إذ إن الأمر لا يتعلق بانقلاب على المؤسسات، ولا بانقلاب على الديمقراطية، بل بحق دستوري في إطار البناء الديمقراطي لتونس مدنية...