الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الإسلام السياسي و"المظلومية" كاستراتيجية تواصلية في السياسة

 
حميد أحمد المرادي
 
1- تأطير:
 
كل منا يتعرض في حياته اليومية، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا للظلم، وحين نتعرض للظلم، نحتاج لمن يؤازرنا ويواسينا في تيسير الألم الذي يصيبنا بسبب ذلك "الظلم".
 
وهذا الإحساس الإنساني هو حاجة في نظر علم النفس الإكلينيكي، لكنها حين تتحول إلى حالة هوية للشخص المعني، يصبح هذا الأخير "مظلوما مزمنا"، فتتحول إلى حالة مرضية تدخل في نطاق المرض النفسي، أو حالة سياسية تدخل في نطاق التحايل السياسي على الناس.
 
حين يتحول الإحساس بالظلم إلى حالة هوية للشخص المعني يصبح "مظلوما مزمنا" فتتحول إلى حالة مرضية تدخل في نطاق المرض النفسي أو حالة سياسية تدخل في نطاق التحايل السياسي على الناس
 
ومن المعلوم أن "المظلومية" ليست في حد ذاتها مرضا، بل إن النتائج التي تؤدي لها هذه الحالة من اضطرابات للشخصية الارتيابية وتعميمها في أوساط أكثر اتساعا هي التي تطرح المشكلة نفسيا واجتماعيا.
 
والمجتمعات تكون أكثر قابلية للشخصيات التي تمارس "المظلومية"، حين تكون مبنية على العلاقات ما قبل عقلانية، وفي غياب المؤسسات المؤطرة للفرد وعلاقته بالجماعة، وبذلك فإن استراتيجية "المظلومية" تكون أكثر فاعلية في المجتمعات اللاعقلانية.
 
ويمارس الشخص "المظلومي"، عملية معقدة في التلاعب بعواطف الآخرين من أجل تحقيق أهدافه، ويستطيع بسهولة كبيرة تحديد الأشخاص، الذين من السهل أن يتعاطفون معه، لذلك يركز عليهم بشكل كبير جدا، حتى يحولهم إلى جزء من ضحايا "المظلومية" التي يدَّعيها.

يمارس الشخص "المظلومي" عملية معقدة في التلاعب بعواطف الآخرين من أجل تحقيق أهدافه ويستطيع بسهولة تحديد المستهدفين فيركز عليهم حتى يحولهم إلى جزء من ضحايا "المظلومية" المزعومة
 
2- مظلومية الإخونج:
 
منذ دخول تنظيمات الإسلام السياسي معترك مواجهة المشروع الديمقراطي الاجتماعي، في بداية السبعينيات، وللتاريخ، فإن مشروعهم لم يكن لينْوَجِد، إلا في هذا السياق من النشوء، وليس خارجه.
 
ومنذ أن تشكلت مجموعات منظمة "للدعوة" و"التأطير" السياسي، تحت رداء الدين الإسلامي، في مواجهة مطالب تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، فإن مشروعَهم، لم يكن إلا محاولة نقض من داخل "المجتمع" لمشروع بدأت ملامحه في التبلور ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.
 
وهكذا، بعد التحولات اللاحقة لنتائج الحرب العالمية الثانية، تبلورت رؤى متعددة لمشروع المجتمع المقترح للمستقبل، من داخل تنظيمات جديدة وأخرى قديمة اكتسبت شرعيتها من المرحلة الاستعمارية وتطورت بتطور مطالب الناس.
 
في نفس الآن كانت قوى محافظة، تحاول السيطرة على السلطة والثروة ضدا على مطامح الشعوب في التحرر والعدالة الاجتماعية والمساواة، وبذلك جاءت قوى "الإسلام السياسي" كطابور داعم لهذه القوى المحافظة.
 
فانتعشت داخل منظومة المحافظة والنكوص والفساد، لتبدأ في الظهور تحت أشكال متطرفة حين الحاجة إلى استعمالها العنيف ضد قوى التحرر والديمقراطية.
 
ومنذ البداية تبنت هذه الحركات الإسلاموية استراتيجية "المظلومية"، ويمكن قراءة تمظهرات هذه الاستراتيجية، في ثنايا الرسالة التي بعثها (بنكيران) في 17 مارس 1986 إلى إدريس البصري وزير الداخلية آنذاك، هذا الأخير، الذي كان يشرف حينه على سنوات القمع والرصاص فعلا وليس ادعاء.
 
يقول بنكيران في رسالة الاستجداء "معالي الوزير، إن كثيرا من الشباب تهفو قلوبهم إلى الانتساب إلى جمعيتنا والعمل في إطارها المعتدل السليم إن شاء اللّه، ولكن ما وقع علينا من حظر من طرف السلطات المحلية في صيف 1984 وتوقيف أنشطتنا العامة في مركز الجمعية يحول دون التحاقهم بنا مما يؤدي ببعضهم إلى الانحراف والتطرف،...".
 
الخطاب هذا، يأتي بعد أن عبث إدريس البصري، عبر أذرعه المختلفة، في المؤتمر السابع عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفتح لهم الجامعات على مصراعيها وبدعم لوجيستي، "على عينك يا بن عدي".!!!!
 
هذه بدايات "المظلومية"، فبعد الجامعات، وفي الوقت الذي كانت كل المؤسسات التخييمية مفتوحة أمام تنظيماتهم المتطرفة بمأكلها وبمشربها وبتمويلها، من المال العام، إضافة للتمويل الخارجي، كان "نَفَّارَهم" يدعي أن "ما وقع علينا من حظر من طرف السلطات المحلية"، إلى غير ما ذهبت إليه رسالة "النفار"...
 
كانت قوى محافظة تحاول السيطرة على السلطة والثروة ضدا على مطامح الشعوب في التحرر والعدالة الاجتماعية والمساواة وبذلك جاءت قوى "الإسلام السياسي" كطابور داعم لقوى النكوص والفساد
 
3- "المظلومية" كاستراتيجية تواصلية:
 
في كل الأوضاع الإنسانية التي تحيل إلى حصول ظلم مادي أو معنوي، يصبح "الضحية" موضوع تعاطف ودعم وتضامن، يساهم في ذلك الخطاب والصور المصاحبة لتسويق ذلك "الظلم".
 
وفي خضم التطور الكبير الذي عرفته وسائط تكنولوجيا المعلومة والتواصل الحديثة NTIC، عملت تنظيمات الإسلام السياسي على تنظيم حملة متكاملة الأركان، لإظهارهم كمظلومين من طرف "الآخرين" والسلطة، من أجل جلب تعاطف الناس والالتفاف حولهم، وتبني مشرعهم الذي يطلقون عليه في أدبياتهم مشروع "المستضعَفِين".
 
في تاريخهم لم يتم قمعهم ولا التضييق عليهم بل فُتِحت لهم الأبواب والأبناك ومصادر التمويل من أجل بناء الشبكات الاجتماعية والتجارية والتنظيمية بل واستفادوا من الأراضي منذ بداية الثمانينيات
 
هذا مع العلم، أنهم في تاريخهم لم يتم قمعهم قطُّ، ولم يتم التضييق عليهم، بل فُتِحت لهم الأبواب والأبناك ومصادر التمويل، من أجل بناء الشبكات الاجتماعية والتجارية والتنظيمية، بل واستفادوا من أراضي تم تجهيزها منذ بداية الثمانينيات وكانوا أكبر المستفيدين منها آنذاك.
 
وارتبط خطاب "المظلومية" عند الإسلام السياسي عند كل محطة انتخابية، وخارج المحطات الانتخابية، في علاقة جدلية بالحسابات التي كانت مسطرة لهم، وفي تطور الموقف الوطني والدولي، خاصة منه الأمريكي، ولا غرو أن استباقهم الدائم للتشكيك في نتائج الانتخابات قبل وخلال وبعد تنظيمها، إلا جزء من الاستراتيجية إياها.
 
بل إن احتلالهم للصف الأول من حيث عدد "النواب"، لا يعفيهم من الاستمرار في لعب دور "الضحية".
 
وقد استعملوا في ذلك وسائط متعددة، أصبح لها تأثير كبير ومنها جرائد ومواقع ظهرت في لحظات محددة من أجل إنجاز مهمات محددة، واختفت، في مرحلة ما من تاريخنا، ولا يمكن نسيان الدور الذي لعبته قنوات بعينها وعلى رأسها قناة الجزيرة القطرية.
 
وبذلك فإن "المظلومية" كاستراتيجية تواصلية جزء لا يتجزأ من تصور الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة والسيطرة عليها وفق رؤية الجماعة "الإخوان المسلمون"، خارج مفاهيم ومقولات الوطن والدولة والشعب.
 
كاتب مغربي