السعي إلى نهب الدولة ثقافة تكرست وتجذرت بشكل مخيف، لا يتعلق الأمر بأولئك الذين ينهبون من الداخل فحتى الذين يوجدون خارجها ينظرون إليها على أنها تملك أموالا طائلة وبقدرتها إغناء من تشاء وإفقار من نسي أن هناك خطوطا حمراء..
ولا يقتصر نهب الدولة على أولئك المتمرسين على دواليب الدولة ويعرفون قواعد (الدخول والخروج)، بل حتى المواطنين العاديين يتحكم فيهم هذا التصور (الحالة المعبرة عن ذلك تتمثل في المواطنين الذين كانوا يسكنون في أحياء الصفيح المبنية في الغالب على أراضي في ملكية الخواص أو الدولة، هذه الفئة ترفع مطالب تعجيزية، فبالنسبة إليهم الدولة ينبغي أن تعطيهم ما يريدون رغم أنه لا شرعية لمطالبهم، أحدهم في حي ليساسفة طالب بسبعة شقق له ولأبنائه وداير فيها اعتصام)..
لن نطيل، فظاهرة ثقافة نهب الدولة المستشرية بين المواطنين تحتاج إلى دراسة، وسيكون علينا تتبع مظاهر الوعي وتشكل تصور المغاربة للدولة منذ أن أصابها الضعف، ابتداء من نهاية القرن الخامس عشر وظهور "القيدالية"، التي تحدث عنها بول باسكون، إلى زرع الدولة الحديثة من طرف الاستعمار (نحن نتحدث عن الجهاز الإداري الذي بناه المستعمر، أما الدولة فظلت قائمة رمزيا في شخص السلطان).
وقد كرس الاستعمار تحكم الإدارة في الاقتصاد والعباد خدمة لمصالحه، وهو الدور الذي سوف يستمر بعد حصول المغرب على استقلاله، حيث ظل المواطنون يتخوفون من هذه الإدارة لما ترمز إليه من تسلط وقمع.
يحتاج الموضوع، كما قلنا، إلى دراسة مطولة ينبغي أن يهتم بها المتخصصون في علم الاجتماع، كما أن الاهتمام بهذه الإشكالية يهم قوة التغيير أي اليسار بالتحديد.
وأعوذ لأتحدث عن نهب الدولة بصورة مصغرة في شكل حكاية وقعت لي في الأسبوع الفارط:
في الأسابيع الاخيرة، أصبحت أجد صعوبة في المطالعة نتيجة ضعف في البصر، ذهبت عند طبيبة يوجد مقرها قرب منزلي، أعطتني ورقة فيها مقاييس النظارة، ذهبت مباشرة عند صاحبة النظارات، التي توجد قرب الطبيبة بحي بورنازيل، قلت لها أريد نظارات بثمن مناسب (باش نقضي الغرض)، في الأخير اتفقنا على مبلغ ألف درهم، واعطتني موعدا بعد خمسة أيام، حتى تكون النظارة جاهزة.
في الموعد حملت معي ورقة المرض لتملأها لي.
قالت لي: ما هو المبلغ الذي تريد أن أحتسبه وأكتبه في الورقة، هل ألف وثمانمائة درهم أو ألفين درهم؟؟
قلت لها: كم دفعت لك؟؟
قالت: ألف درهم
قلت لها: فلتكتبي ألف درهم
نظرت إلي متفاجئة وقالت: آ الحاج كل الموظفين الذين يأتون عندي يطلبون أن أملأ لهم مبالغ زائدة.
قلت لها: هذه سرقة.
قالت: راه غادي يرجعوا ليك الفلوس ناقصين على داكشي اللي خلصتي.
قلت: ذلك هو القانون وعلي أن أساهم.
قالت لي: إن صديقك الأستاذ الذي تجالسه في المقهى (توجد مقهى في جوار المحل) يقوم بهذا السلوك، الذي ترفضه، آ الحاج نتا فشي شكل.
في تلك اللحظات، تذكرت كيف جاءني هذا الصديق إحدى الصباحات وهو متحمس ومعجب بأولئك الشباب، الذين غنوا على الشعب (أغنية عاش الشعب)، قلت في نفسي الرجل متحمس للنضال، ولكنه متحمس أيضا لنهب وسرقة صندوق يستفيد منه هو وعائلته.
وطبعا، فحينما يخرج الفرّاع الرئيس السابق للتعاضدية سالما غانما، فماذا تنتظر من الصغار؟!
خاتمة: ما ينبغي تحليله هو هذه النظرة لدى المواطنين عن الدولة (اللي ديناه منها رباح)، وربما لأنها كافرة يجوز فيها الفيء.