الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

بؤس اليسارية الإسلاموية

 
حميد أحمد المرادي
 
1- ما هي اليسارية الإسلاموية؟
2- هل لها جذور تاريخية وما هي؟
3- وكيف استطاع هذه التوجه الانحرافي اليساري أن يجد له موقعا للتأثير؟
4- السياق والنسق.
 
تيار اليسارية الإسلاموية هو التعبير الأمثل عن التحلل الفكري والمعرفي والذعر الإيديولوجي الذي عانت منه الحركات اليسارية
 
1- حسب المفكر الفرنسي لوران بوف، مؤسس "الربيع الفرنسي"، فإن هذا التيار "هو تركيبة من راديكالية سياسية حاسمة في موقفها من العنف ضد الدولة، والقوة العمومية، ومناهضة للرأسمالية بتواطؤ مع الإسلامويين".
 
وبذلك فإن اليسارية الإسلاموية ليست في نهاية الأمر سوى الرفض والكره الفوضوي "للهوية الغربية"، وتنتهي إلى أن الجميع له الحق في "هوية": "المسلم"، "المستَعمر"، "المستضعَف"، إلا "الغربي"، حسب المفكر جاك جوليار.
 
إنها بشكل آخر، التعبير الأمثل عن التحلل الفكري والمعرفي، والذعر الإيديولوجي الذي عانت منه الحركات اليسارية، وخصوصا منها المتطرفة، نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ويستمر إلى اليوم، في غياب جهد وعمل من أجل بلورة مشروع يساري إنساني يجد جذوره، في المنطلقات الإنسانية للفكر اليساري.
 
هذا التيار الهجين هو تيار مصلحي يتمثل في تبادل المصالح بين العديد من نقط الارتكاز اقتصادية اجتماعية وسياسية ودينية وحتى مافياوية
 
يقول الفيلسوف ميشيل أونفري عن أحد قادة هذا التيار إدوي بلينيل=EDWY Plenel: "بلينيل هو واقعي، بالمعنى الفلسفي للعصور الوسطى، للواقعية، أي أنه يعتقد في واقعية الأفكار أكثر مما يعتقد في حقيقة التعددية، لا يعتقد في ما يرى، بل يرى فقط ما يعتقد".
 
2- طبعا لهذا التيار جذور تاريخية في سياقات الظاهرة الاستعمارية، وفي الانقسامات التي عرفتها الحركات الاشتراكية بكل تياراتها، وبتداعيات مخلفات الحرب العالمية الثانية بعد تقسيم العالم وانقسامه إلى كثل متعددة الولاءات والمصالح تبعا لمصالح الدول الكبرى.
ولذلك نجد أن هذا التيار يضم، ضمن صفوفه، المتأسلمين بكل تياراتهم، وكل الاتجاهات المتطرفة وسط الحركات المرتبطة بقضايا النسوانية، والبيئوية، وحركة "السود"، والحركة المناهضة للرأسمالية،... وكذا الاتجاهات المعادية للسامية، وما يسمى بغير "الأصليين"، إلى درجة السقوط في نقيض ما هو مفروض النضال من أجله منطلقا.
 
هذا الخليط يطرح نفسه بدون أرضية مشتركة حقيقية، له هدف واحد هو تحطيم عدو هلامي، وواقعيا يجده متمثلا في الدولة والقوة العمومية، والآخر، كيفما كان جنسه أو دينه أو لونه أو أصله... الآخر الذي يختلف عنه في فهم العالم.
 
ولهذا التيار جذوره التاريخية كذلك في العلاقات القائمة منذ القرن 19، إيديولوجيا بين بعض التيارات الإيديولوجية اليسارية الهوياتية، والحركات التي تستعمل الدين أُسَّ برنامجها البديل للغرب الاستعماري.
 
دون نسيان الإغواء الذي مارسه "الإخوان المسلمون"، بتقديم أنفسهم لليسار "الغربي" بكل تياراته، "كبوابة اجتماعية" نحو الناخب "المسلم"، وقد نجحوا في ذلك خلال عقود.
 
لا ينبغي أن نفاجأ حين تخرج علينا بعض الأصوات منددة باعتقال أو التحقيق مع "الإخواني" الفاسد أو المغتصب أو المستغل أو الذي يخرق القانون فقط لأنه "إخواني" وما تواجهه به المؤسسات "حق يراد به باطل"
 
3- هذا التيار المصلحي، والمتمثل في تبادل المصالح بين العديد من نقط الارتكاز، اقتصادية اجتماعية وسياسية، ودينية، وحتى مافياوية، حاول منذ مدة طويلة أن يضع لنفسه موقعا على مستوى الإعلام، نظرا لما صار يلعبه هذا الأخير من دور جوهري في توجيه الرأي العام، وقد ساعده في ذلك أن السلطات المسيطرة ليست في حاجة لمواجهة مشروع حقيقي بديل، يمكن أن يجد صدى لدى الرأي العام، فقد تم فتح الباب أمام هذا التيار الهجين إعلاميا لسهولة الفتك به في كل لحظة نظرا لهجانته ولاتاريخيته.
 
لأنه في نهاية المطاف: "ليسوا مسلمين، ولكنهم أصدقاء طريق،... بل مجموعة من المثقفين والمجيمعات، ووسائط إعلام، ليست حركة منظمة، وأهميتها تأتي من الأثر الكبير الذي صار لها على وسائط الاتصال" (جاك جوليار).
 
4- السياق والنسق: وأنا أحاول مقاربة هذا التيار الذي وجد له صدى داخل أوروبا، باختلاف بين بلد وآخر، حسب خصوصياتهم، لم يغب عن بالي طبعا، بعض تجلياته على الساحة المغربية.
 
في إطار الممارسة السياسية والحقوقية والنقابية والاجتماعية، لاحظنا، منذ منتصف التسعينيات، تقاربا وتوددا متبادلا بين بعض الأطر والقواعد المنتمية للاتجاهات اليسارية والمدنية، والاتجاهات الإسلاموية، من خلال نفس منظومة المفاهيم والمقولات، التي أشرنا إليها سابقا.
 
فمن محاولة قراءة "لاهوت التحرير" مغربيا، إلى ليِّ عنق مقولة "التناقض"، إلى استحضار "الخصوصية" المرتبطة بـ"الشعب" الذي نستهدفه… أو توظيف مطالب الجهوية باسم التاريخ...، حاول اليسار الإسلاموي إيجاد مخارج لتبرير التقاء عملي في استهداف المؤسسات القائمة، دون التفكير ولو للحظة في البديل المفروض اقتراحه على الوطن، بل ودون استحضار مبدأ الديمقراطية الذي يعتبر في عرف الإسلاموي "كفرا" و"خروجا عن شرع الله".
 
ولا ينبغي أن نفاجأ حين تخرج علينا بعض الأصوات منددة باعتقال أو التحقيق مع "الإخواني" الفاسد، أو المغتصب، أو المستغل، أو الذي يخرق القانون الذي يسري على الجميع، فقط لأنه "إخواني"، وما تواجهه به المؤسسات "حق يراد به باطل".
 
وبئس يسارية بعضنا.
 
كاتب مغربي