الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

وضعية سوق الشغل خلال الفصل الثالث لسنة 2021.. خلق 642000 منصب شغل خلال سنة؟!

 
د. عبد السلام الصديقي
 
خلال سنة واحدة، تم إحداث 642000 منصب شغل، ما بين نهاية شتنبر 2020 ونهاية شتنبر 2021، حسب ما جاء في مذكرة إخبارية حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الثالث لسنة 2021 الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط. وبالرغم من هذا الإنجاز العظيم والاستثنائي، فإن وضعية سوق الشغل لم تعرف إلا تحسنا طفيفا لكون المؤشرات المرتبطة بالبطالة والتشغيل القاصر (Sous-emploi) مازالت مقلقة.
 
خلال سنة واحدة، تم إحداث 642 ألف منصب شغل، ما بين نهاية شتنبر 2020 ونهاية شتنبر 2021، وهذا إنجاز استثنائي، لكن دون أن تعرف وضعية سوق الشغل إلا تحسنا طفيفا لكون مؤشرات البطالة والتشغيل القاصر مازالت مقلقة. وعليه يبدو واضحا أن الأمر يتعلق باسترجاع المناصب المفقودة خلال فترة الحجر الصحي، بعد إحالة أزيد من 900 ألف أجير على البطالة الجزئية
 
إن المناصب المحدثة كانت نتيجة خلق 274000 منصب شغل في الوسط القروي و368000 في الوسط الحضري، مقابل فقدان 581000 منصب خلال الفصل الثالث لسنة 2020. وعليه يبدو واضحا أن الأمر يتعلق باسترجاع المناصب المفقودة خلال فترة الحجر الصحي، فالكل يتذكر أن أزيد من 900000 أجير أحيلوا على البطالة الجزئية خلال هذه الفترة الحرجة التي فرضتها الجائحة.
 
إن الشغل المؤدى عنه سجل زيادة تقدر بـ572000 منصب على الصعيد الوطني، نتيجة إحداث 187000 منصب في الوسط القروي و385000 منصب بالوسط الحضري. في حين عرف الشغل غير المؤدى عنه خلق 70000 منصب، نتيجة إحداث 87000 منصب بالوسط القروي وفقدان 17000 منصب بالوسط الحضري.
 
وبحسب القطاعات الاقتصادية، فإن إحداث مناصب الشغل لا يختلف كثيرا عن الاتجاهات الماضية، حيث ظلت كل من الفلاحة والخدمات والبناء أهم القطاعات المستقطبة لليد العاملة. أما الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية، فلا تساهم إلا بنسبة ضئيلة، وهكذا فخلال الفترة الزمنية المعنية (الفصل الثالث من سنتي 2020 و2021) انتقل عدد فرص الشغل المحدثة في قطاع الفلاحة والغابات والصيد البحري إلى 190000 منصب، مقابل فقدان 258000 منصب سنة من قبل، وفقدان 49000 منصب في المتوسط خلال الفصول الثلاثة من السنوات الثلاث ما قبل الجائحة.
 
إن فقدان الشغل في القطاع الأول، لا ينبغي أن يخيفنا بالمرة، حيث يندرج في دينامية تاريخية وقانون موضوعي للتطور، فبقدر ما تعرف الفلاحة استعمالا كثيفا للمكننة، وتزداد الإنتاجية والمردودية، بقدر ما يتحرر جزء من اليد العاملة وينتقل من الفلاحة إلى الصناعة، ومن القرية إلى المدينة.
 
إلا أنه مع الأسف، لا تأخذ الأمور نفس المنحى في البلدان الأقل نموا أو التي تعرف نموا مشوها إن صح التعبير، إذ لا يتجه هؤلاء السكان الذين "طردتهم" الفلاحة صوب الصناعة، نظرا لغياب فرص كافية، بل تجد ملاذا لها في قطاع "الخدمات والأنشطة المعيشية"، ومن ثمة، فهي تساهم في تفشي القطاع غير المهيكل.
 
إن فقدان الشغل في قطاع الفلاحة يندرج في قانون موضوعي للتطور، فبقدر ما تعرف الفلاحة استعمالا كثيفا للمكننة، وتزداد الإنتاجية والمردودية، بقدر ما يتحرر جزء من اليد العاملة وينتقل من الفلاحة إلى الصناعة، ومن القرية إلى المدينة. إلا أنه في البلدان الأقل نموا لا يتجه هؤلاء السكان الذين "طردتهم" الفلاحة صوب الصناعة، نظرا لغياب فرص كافية، فيساهمون في تفشي القطاع غير المهيكل
 
ولذلك نفهم جيدا لماذا يتمكن قطاع الخدمات من خلق قرابة نصف المناصب المحدثة، أي 306000 منصب مقابل فقدان 260000 منصب خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وإحداث كمتوسط سنوي لـ176000 منصب بين الفصول الثلاثة للسنوات ما قبل كوفيد.
 
وفي المقابل، فإن قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية، لم يحدث إلا 54000 منصب، دون استرجاع المناصب المفقودة بأكملها، والتي قدرت بـ61000 منصب. مع التذكير أن المناصب المحدثة لم تتجاوز خلال السنوات الثلاث الماضية 12000 منصب كمعدل سنوي.
 
وأخيرا، فإن قطاع "البناء والأشغال العمومية" الذي أبدى مقاومة نسبية للأزمة، قد استطاع إحداث 92000 منصب مقابل 1000 منصب خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وخلق 4000 منصب كمتوسط سنوي خلال السنوات الثلاث لما قبل الجائحة.
 
وهكذا يتضح أن أهم المناصب المحدثة تتعلق بالشغل الموسمي (الفلاحة) والشغل المؤقت (البناء والأشغال العمومية)، والشغل الهش (القطاع غير المهيكل والأنشطة المعيشية). ويتضح ذلك جليا من خلال بنية السكان النشيطين حسب القطاعات الاقتصادية: 30% في القطاع الأول، و22,7% في القطاع الثاني (بما فيها الصناعة التقليدية والبناء والأشغال العمومية) و46,7% في الخدمات.
 
أما بخصوص عدد العاطلين، فقد سجل انخفاضا في الوسط القروي بـ60000 شخص، وارتفاعا في الوسط الحضري بـ25000 شخص، وهو ما يعني انخفاضا بـ35000 شخص على المستوى الوطني خلال الفترة المعنية، وهكذا انتقل عدد العاطلين من 1482000 إلى 1447000، وهو ما يعادل تراجعا طفيفا بمعدل 2%.
 
أما معدل البطالة فقد تراجع بصفة ضئيلة بحوالي 0,9 نقطة ما بين الفصول الثلاثة لسنتي 2020 و2021، لينتقل من 12,7% إلى 11,8% على المستوى الوطني: من 16,5% إلى 16% بالوسط الحضري، ومن 6,8% إلى 5,2% بالوسط القروي.
 
إذا اقتصرنا على البطالة في الوسط الحضري، فالنساء يعرفن معدلا للبطالة يتجاوز 25%، إذ من بين 4 نساء نجد امرأة واحدة معطلة، بينما نجد رجلا معطلا من بين 8 رجال! وهناك مؤشر يهم الشباب بين 15 و24 سنة، حيث يبلغ معدل البطالة 45,2%. ثم هناك خريج واحد من بين 5 في وضعية بطالة.. وهذه المؤشرات الثلاثة تترجم لوحدها معوقات مجتمعنا واختلالات نموذجنا التنموي
 
دعونا نقتصر على البطالة في الوسط الحضري، إذ إن نتائج البحث الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط تعتبر قريبة للواقع، والمعطيات التي توفرها لا تدعو بتاتا إلى الاطمئنان. فالنساء يعرفن معدلا للبطالة يتجاوز 25%، وذلك بالرغم من ضعف معدل النشاط الذي لا يتجاوز 20% في صفوفهن، بمعنى آخر، من بين 4 نساء نجد امرأة واحدة معطلة، بينما نجد رجلا معطلا من بين 8 رجال! إن هذا التمييز أمام الولوج للشغل أمر غير مقبول بالمرة.
 
وهناك مؤشر آخر لا يقل خطورة، ويهم الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، حيث يبلغ معدل البطالة 45,2%.
 
وأخيرا، إذا كان هناك خريج واحد من بين 5 خريجين في وضعية بطالة، فإن هذه النسبة ترتفع إلى واحد من بين أربعة حينما يتعلق الأمر بحاملي الشهادات العليا.
 
إن هذه المؤشرات الثلاثة تترجم لوحدها معوقات مجتمعنا واختلالات نموذجنا التنموي.
 
ومن بين الرهانات الكبرى خلال السنوات القادمة، هناك الرهان الآتي: كيف السبيل لضمان نمو مستدام ومدمج، ومحدث لفرص الشغل بكثافة، وقادر على توفير شغل لائق لجميع المواطنات والمواطنين. وعلى هذا المستوى، فالأنظار موجهة إلى الحكومة الحالية التي جعلت من مسألة التشغيل إحدى أولوياتها، فإما أن تنجح في هذا الرهان، وإما أن تخيّب آمال الشعب.
 
اقتصادي وأستاذ جامعي ووزير سابق