الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

مبادرة المغرب مقابل عجز جزائري!

 
نوفل البعمري
 
العنوان الذي نقدم به هذه المقالة قد يكون فيه نوع من التلخيص لكل النقاش، الذي أثاره خطاب العرش، من خلال تأكيد الملك على دعوته الصادقة للدولة والشعب الجزائريين من أجل فتح الحدود وعودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها كبلدين جارين، إذ إن ما يجمعهما من أواصر ثقافية، وحضارية، وجغرافية وتاريخية، أكثر مما يفرق بينهما، مقابل رد جزائري عبر عنه شنقريحة في كلمته التي نشرتها مجلة الجيش...
 
لقد كانت دعوة محمد السادس واضحة للدولة الجزائرية، وإذا كان الشعب الجزائري قد استقبل يد المغرب بيد فيها الكثير من الود والاحترام للمغرب ولكل مكوناته، فإن الجميع كان ينتظر رد الدولة الجزائرية على دعوة المغرب، التي انطلقت منذ سنة 2008، والتي لطالما كررها، وكان الجميع، على رأسه الشعب الجزائري، ينتظر أن تقدم دولته ردا إيجابيا ينتصر للأفق المشترك ولمستقبل المنطقة، لكن ما جاء في مجلة الجيش التي تعتبر الناطق باسم المؤسسة التي يقودها الجنرال شنقريحة كانت صادمة لأوساط جزائرية أكثر منها مغربية نتيجة اللغة التي استعملت فيها، لغة لا تنتمي إلى مؤسسة يُفترض أنها تمثل الانضباط، والالتزام والحياد والبعد عن السياسة، وهو ما يجعل من الجزائر الاستثناء في المنطقة بل في العالم، استثناء من حيث إن مبادرة سياسية كانت تنتظر ردا سياسيا سواء بالرفض أو القبول من مؤسسة مدنية، يأتيه الرد بلغة عنيفة من مؤسسة عسكرية، بلغة حربية تنتمي إلى عهد الحرب الباردة، التي لم يستطع جنرالات الجارة تجاوز منطقها التاريخي، رغم أن العالم أسقطها منذ أن أسقط جدار برلين.
 
الرد الجزائري يعكس أزمة سياسية عميقة تعيشها الجارة، ليس لأن الرد كان بالشكل الذي تابعه الجميع، خاصة في بعض وسائل الإعلام الجزائرية، التي يبدو أن المداد الذي كتبت به المانشيطات، التي اطلع عليها العالم، كشفت العقلية التي تحكم الجزائر، عقلية منغِلقة، مشوشة، يحكمها منطق المؤامرة، لنظام لا ينتمي للمستقبل ولا لرهاناته، طبيعة الأزمة التي تعيشها الجزائر عكسها مضمون الرد نفسه والجهة التي انطلقت منه، والتي خرجت للتعليق على دعوة المغرب لفتح الحدود، وبغض النظر عن التفاهات التي نُشرت في مجلة الجيش، فهي تشير إلى انزعاج قد يكون تولد لدى الجنرال شنقريحة الذي يرى في أي مبادرة للحوار السياسي بين المغرب والجزائر، لن يكون الجيش جزءا منه، بل سيكون بين العاهل المغربي والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وهذا أكثر ما يقلق جنرالات قصر المرادية، يقلقهم أن تتم حلحلة الأزمة وتكون أولى نتائجها أن يجد شنقريحة ومن نصبه هناك خارج هذا الحوار وخارج المبادرة السياسية التي أطلقها المغرب.
 
إن اعتراض الجيش هدفه أمران:
 
رسالة لتبون وللشعب الجزائري أن الحاكم الفعلي هو الجيش، وأن أي مبادرة سياسية لا يمكن أن يكون الجيش خارجها، بل سيعترضها، خاصة وأن المنطقة ككل لن تقبل بجلوس ملك إلى جانب جنرال ببزته العسكرية، وأن التقاط صورة بدون شنقريحة الذي يحرص على أن يظهر كظل تبون في مبادرة كبيرة تعني نهاية تحكم الجيش الجزائري في مقاليد الحكم والسلطة بهذا البلد الجار، سرعة الرد من خلال وسائل الإعلام التابعة للعسكر، وصولا إلى العدد الأخير لمجلة الجيش كانت استباقية لأي رد سياسي من الداخل الجزائري كان المعني بها أولا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ليذكروه بأن أي جواب لن يكون إلا من خلال مؤسسة الجيش وليس الرئاسة التي تظل مجرد مؤسسة صورية أمام قوة تحكم العسكر في مفاصيل الدولة الجزائرية.
 
الرسالة الثانية موجهة للخارج وليس فقط للمغرب، رسالة تفيد أن الحاكم في الجزائر والماسك بسلطتها هو العسكر، وأنه لا مجال لأي حوار مع الجزائر خارج مؤسسة الجيش التي تريد الظهور بمظهر المتحكم في المبادرة السياسية بالجزائر، وتريد التأكيد على أن أي دعوة كيفما كانت يجب أن توجّه لهم وليس لتبون، وهو ما لا يمكن أن يقبل به أي نظام سياسي وأي مؤسسة قارية، أن يقبل بالقفز على وجود رئيس مدني ولو كان صوريا، ويتم التوجه للجنرال شنقريحة ولمؤسسته العسكرية التي تظل هي صاحبة الحل والعقد في الدولة الجار.
 
الرد العسكري الجزائري على دعوة العاهل المغربي للحوار المفتوح ولفتح الحدود أمام حركة الشعبين، تعكس أزمة الجزائر، لقد ثبت أن أزمتها هي في طبيعة نظامها السياسي، هذا النظام الذي تحول فيه الجيش من جيش الدولة إلى دولة الجيش، حيث العسكر فوق المؤسسات المدنية وكل السلط سواء كانت تشريعية، أو تنفيذية، فالأمر يتعلق بنظام هجين لم يستطع الانتقال من نظام الحرب الباردة إلى نظام مواكب للتحولات التي عاشها العالم...
 
سؤال أخير وهو مشروع: هل أخطأ المغرب التقدير عندما توجه من جديد بسياسة اليد الممدودة للجزائر؟
 
الجواب واضح، المغرب لم يخطئ، المغرب توجه للجزائر ولشعبها ومعهما توجه للمستقبل، فدعوة ملك المغرب كانت صادقة لأنها انطلقت من المشترك ومن قدرة المغرب على تجاوز أحقاد الماضي، ومن مصالحته مع نفسه، هذه الأخيرة هي التي جعلت ملك المغرب يقول إنه لا هو ولا تبون مسؤوليْن عن إغلاق الحدود، إذن هي دعوة ملكية مفتوحة، نقدية لاختيارات الماضي السياسية، التي حان الوقت لتجاوزها، ومادام النظام الجزائري لم يحقق مصالحته الداخلية، فهو لن يحقق المصالحة مع الجيران، ورغم وعينا بهذا المعطى فيجب القول إن مسؤولية المغرب هي أن يظل ماسكا بالأمل، مسؤوليته اتجاه الشعبين واتجاه شمال أفريقيا، مسؤوليته في عدم الانجرار نحو الهاوية، التي يسير نحوها شنقريحة وكل مؤسسته التي رهنت بلد المليون ونصف شهيد في بزة عسكري كل رأسماله هو احتراف الحقد على الجيران...
 
محام وباحث في ملف الصحراء