الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

وضعية سوق الشغل خلال الفصل الثاني من سنة 2021 لا تدعو للارتياح

 
د. عبد السلام الصديقي
 
الأرقام الأخيرة، كما أعلنت عنها مؤخرا، المندوبية السامية للتخطيط، والمتعلقة بسوق الشغل، خلال الفصل الثاني من السنة الجارية (2021)، لا تدعو إلى الاطمئنان. فباستثناء الفلاحة والبناء والأشغال العمومية، التي عرفت نوعا من الدينامية. فإن باقي القطاعات لم تتمكن بعد من الرجوع إلى المستوى السائد في سنة 2019. وبصفة عامة، نحن أمام نفس المميزات لسوق الشغل، فمعدل النشاط والتشغيل غير كافٍ (وخاصة بالنسبة للنساء)، هيمنة العاملين بدون تكوين أو دبلوم (حوالي 50%)، بطالة هيكلية تمس بالخصوص شباب خريج الجامعات، واستمرارية، بل تفاقم، ظاهرة الشغل غير المؤدى عنه.
 
وضعية سوق الشغل، خلال الفصل الثاني من 2021، لا تدعو إلى الاطمئنان، وأغلب القطاعات لم تتمكن بعد من الرجوع إلى مستوى 2019، رغم وجود نفس المميزات لسوق الشغل: + معدل النشاط والتشغيل غير كافٍ + هيمنة العاملين بدون تكوين أو دبلوم + بطالة هيكلية تمس بالخصوص شباب خريج الجامعات + تفاقم ظاهرة الشغل غير المؤدى عنه
 
وإذا كان معدل التشغيل عرف ارتفاعا طفيفا بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2020 حيث انتقل من 39,3% إلى 40,2% على المستوى الوطني (بزيادة 0,9 نقطة). ينبغي الاعتراف أن هذه الزيادة همت بالأساس العالم القروي. فعلى العكس في الوسط الحضري، نسجل تراجعا بـ0,7 نقطة (من 35,6 % إلى 34,9%). وفي جميع الحالات، بقي معدل التشغيل دون المستوى الذي كان عليه قبل الجائحة (42% خلال الفصل الثاني من سنة 2019).
 
ومن جهة أخرى ارتفع حجم التشغيل بـ405000 منصب، يعود إلى خلق 414000 منصب في الوسط القروي، وفقدان 9000 بالوسط الحضري، مقابل فقدان 589000 خلال الفصل الثاني من سنة 2020.
 
هكذا يتضح أن خلق فرص شغل زائدة يعود إلى الظروف المناخية الملائمة التي أدت إلى موسم فلاحي استثنائي يقدر بـ103 ملايين قنطار، وهو رقم قياسي نادراً ما تم بلوغه. وهنا أيضا ينبغي تسجيل أن من بين المناصب المحدثة، هناك ما يزيد عن النصف بقليل (215.000 ) يؤدى عنها، والباقي (119.000) غير مؤدى عنه. وهذا يذكرنا بنظام السخرة إلى حد ما، فاستمرارية هذا النمط من استغلال قوة العمل المتكونة أساسا من الشباب والأطفال، يعتبر تمظهرا للتخلف الذي يميز العالم القروي الذي لم يستفد، في إطار السياسات العمومية، بنفس الأهمية التي حظيت بها الزراعة الحديثة الرأسمالية.
 
أما على مستوى توزيع السكان النشيطين حسب القطاعات، نلاحظ أن من بين 10892000 نشيط، خلال الفصل الثاني من سنة 2021، 45,2% يشتغلون في قطاع الخدمات متبوعا بالفلاحة والغابات والصيد البحري بـ33,1%، في حين لا تشغّل الصناعة، بما فيها الصناعة التقليدية، إلا 11,1%، منها 44% تعود إلى نشاط تقليدي، والبناء والأشغال العمومية 10,5%، وعلى العموم، هناك سبعة نشيطين في العالم القروي من بين عشرة (70,7%) يعملون في الفلاحة والغابات والصيد، وثلثان من النشيطين في المدن (66,6%) يعملون في قطاع الخدمات.
 
تؤكد المعطيات المتوفرة الطابعَ المشوه للرأسمالية المغربية: عالم قروي ناقص التجهيز وعالم حضري تغلب عليه الأنشطة المعاشية. ويؤكد أنه ما بين الفصل الثاني من 2020 ونفس الفترة لسنة 2021، فقدت الصناعة 53000 منصب شغل، مقابل فقدان 69000 خلال 2020 وخلق 32000 منصب سنويا في المتوسط
 
وتؤكد هذه المعطيات على ملاحظتنا السابقة بخصوص الطابع المشوه للرأسمالية المغربية: عالم قروي ناقص التجهيز وعالم حضري تغلب عليه الأنشطة المعاشية. فبينما نرى أن ثلثي السكان النشيطين يشتغلون في "الخدمات"، فالأمر يدعو حقا إلى القلق. ذلك أن الصناعة، التي من المفترض أن تشكل وسيلة لتنمية المجتمع وتحويل بنياته، بما فيها الصناعة التقليدية، لا تشغل إلا 11% من السكان النشيطين، أي 1,2 مليون شخص. أما الصناعة بمفهومها الضيق فهي لا تشغّل إلا 677000 شخص بالاعتماد على معطيات المندوبية السامية للتخطيط، التي تعتبر المصدر المأذون به في مجال الشغل. وعليه، فلا داعي إلى تقديم أرقام لا وجود لها إلا في مخيلة أصحابها، ومن ثم إعطاء صورة مغايرة للواقع.
 
الواقع كما يلي: ما بين الفصل الثاني من سنة 2020 ونفس الفترة لسنة 2021، فقدت الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية 53000 منصب شغل، مقابل فقدان 69000 خلال السنة الماضية وخلق 32000 منصب سنويا في المتوسط ما بين الأشهر الثلاثة الثانية للسنوات الثلاث التي سبقت الجائحة.
 
القطاعات الوحيدة، التي خلقت فرص الشغل، بالإضافة إلى الفلاحة، هي الخدمات والبناء والأشغال العمومية. فقطاع الخدمات وفّر 40000 منصب شغل مقابل فقدان 30000 خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وخلق 149000 منصب سنوياً في المتوسط خلال الثلاث سنوات ما قبل الجائحة. من جهته، خلق قطاع البناء والأشغال العمومية 108000 منصب شغل وفقدان 9000 منصب خلال نفس الفترة من السنة الماضية وفقدان 27000 منصب خلال السنوات الثلاث ما قبل الجائحة.
 
أما بخصوص عدد العاطلين فقد ارتفع بـ128000 شخص، بين الفصل الثاني من سنة 2020 والفصل الثاني من سنة 2021. منتقلا على التوالي من 1477000 إلى 1605000، أي بزيادة تقدر بـ9% وتعتبر هذه الزيادة نتيجة لانخفاض البطالة بـ100000 في الوسط القروي وزيادة 228000 عاطل في الوسط الحضري، وينضاف لهذا العدد الأشخاص الموجودين في حالة التشغيل القاصر (بسقف زمني أدنى)، والبالغ تقريبا مليون شخص.
 
يتضح في نهاية المطاف أن مشكل التشغيل مازال قائماً بالكامل. ولا يمكن أن يكون غير ذلك في غياب الاعتناء بهذه المسألة وإعطائها الأهمية التي تستحق في إعداد وتطبيق السياسات العمومية. فالتغلب على مشكل البطالة وخلق فرص شغل لائقة وبأعداد كافية، يتطلبان توفير الإمكانيات والإرادة. وفي حالة المغرب هذان الشرطان غائبان
 
أما بالنسبة لمعدل البطالة، فقد استمر في مدى تصاعدي خلال نفس الفترة من السنة الماضية. وارتفع بـ0.5 نقطة بين الفترتين حيث انتقل من 12,3% إلى 12,8% على المستوى الوطني. كما سجل ارتفاعا قويا في المدن وانتقل من 15,6% إلى 18,6%، وتراجع في الوسط القروي من 7,2% إلى 4,8%. كما أن هذا المعدل قد تفاقم في صفوف الخريجين مسجلا زيادة بـ 2,2 نقطة، وانتقل بذلك من 18,20 إلى 20,40% خلال الفترة الممتدة بين الفصل الثاني من سنة 2020 والفصل الثاني من سنة 2021. وسجل حاملو الشهادات العليا أقوى انخفاض بحوالي 3% ليبلغ 25,3%، مقابل 22,3% سنة من قبل. في حين بلغت هذه الزيادة 1,8 نقطة لدى حاملي الدبلوم المتوسط ليستقر المعدل في 17,6%.
 
يتضح في نهاية المطاف أن مشكل التشغيل مازال قائماً بالكامل. ولا يمكن أن يكون غير ذلك في غياب الاعتناء بهذه المسألة وإعطائها الأهمية التي تستحق في إعداد وتطبيق السياسات العمومية. فالتغلب على مشكل البطالة وخلق فرص شغل لائقة وبأعداد كافية، يتطلبان توفير الإمكانيات والإرادة. وفي حالة المغرب هذان الشرطان غائبان. فالإمكانيات المرصودة للتشغيل هزيلة والتدابير التحفيزية يتم تنزيلها بقطارات. ومن جهة أخرى، فبلادنا في حاجة، في هذا المجال، إلى إرادة سياسية قوية تضع التشغيل في صلب السياسات العمومية وترقى به إلى أولوية الأولويات.
 
اقتصادي وأستاذ جامعي ووزير سابق