الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الطريق الرابع.. رؤية اقتصادية

 
المصطفى المريزق
 
يقرُّ الطريق الرابع بأن سبب شقاء ما تبقى من اليسار، يتمثل في إخفاقه الفكري في طرح برنامج اقتصادي وطني بديل ومتكامل البناء لإخراج البلد من الأزمة، حيث لم يساهم في إنتاج أي تصور للمجتمع الإشتراكي الذي يحلم به منذ عقود من الزمن، فضلا عن اكتفائه برفع الشعارات المناسباتية.
 
وقد ثبت أن بذور الأمل التي تم زرعها في نهاية القرن الماضي، قد حصدت قبل أوانها عنوة، لتصبح بقايا الشيوعية والقومية والاشتراكية والماركسية واللينينية والماوية والتروتسكية، معلقة ومعزولة عن المجتمع، ومنفصلة عن نبضه وحراكه المدني والسياسي والثقافي (والأمازيغي كجزء منه).
 
بل إن ما تبقى من اليسار وقف عاجزا أمام التحولات الكبرى التي شهدها العالم، ولم يتمكن من تقديم ولو قراءة استشرافية للمستقبل ومتابعة تغيرات العصر ومستجداته، مما جعله، يسقط في شراك الجمود الفكري والعقائدي، الذي انتبه إليه الطريق الرابع، الذي ستكون مهمته شاقة، إن من حيث العمل على تجاوزها وسد نقائصها، أو من حيث الاجتهاد في تقديم الرؤى التي ولد من أجلها، وفي طليعتها إنتاج رؤية اقتصادية واضحة ومعمقة، من خلالها يطرح بدائل لتجاوز ما يحصل في المغرب، من انتكاسات اقتصادية.
 
وإذا كان الطريق الرابع منذ نشأته عام 2017 قد حرص على الخوض في نقاش الإرث السلبي الاقتصادي الذي كان ولا يزال ثقيلا، والذي انعكست آثاره الاجتماعية الوخيمة على التعليم والصحة والشغل والأمن الغذائي والبيئي وعلى البنيات التحتية والناتج الداخلي الخام لكل فرد؛ فهو يطرح اليوم بعض الإشكالات المرتبطة بالمرتكزات وبالتحديات التي يعتبرها ركنا أساسيا في مشروع رؤيته، والمتعلقة بعدم وعي القوى التي ادعت الدفاع عن الانتقال الديمقراطي والعدالة الانتقالية والإنصاف والمصالحة، بضرورة دمج كل هذه الأوراش، بورش النمو الاقتصادي، وإعادة تعريف الدولة والتأكيد على دورها التنظيمي والرقابي وتنفيذ القوانين.
 
ومن مفارقات ما تبقى من اليسار، أنه رغم تجاوز المغرب لعاصفة "الربيع العربي"، ظل جامدا ولم يتزحزح، بل اختار أن يبقى متفرجا على الأحداث من دون أن يكون فاعلا فيها. بل وجد نفسه بدون برنامج عملي متجدد مع دستور 2011، حيث ظل عاجزا عن إدراك دور الاقتصاد في التحول السياسي الديمقراطي، وبالتالي غير مبالٍ بالأسئلة التي يعتبر الطريق الرابع الجواب عليها مدخلا أساسيا للتغيير السلمي الديمقراطي الباني لمغرب المستقبل.
 
وتأتي في طليعة الأسئلة التي يطرحها الطريق الرابع سؤال الاستقلالية عن المؤسسات المالية الدولية، عبر الحد من الاقتراض، وسؤال إصلاح النظام المالي لإدارة الدين ومحاربة الاحتكار، وسؤال ملكية الدولة في الصناعات الأساسية في الاقتصاد الوطني، وسؤال تشجيع المقاولات المتوسطة والصغرى، وسؤال إصلاح النظام الضريبي وتطبيق الضريبة التصاعدية، وسؤال الضريبة على الثروة، وسؤال تشجيع النمو السريع للطلب الداخلي، وسؤال الانفتاح الاقتصادي ودعم الصادرات وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.
 
فهذه الأسئلة وأخرى، ظلت معلقة، عجز ما تبقى من اليسار الخوض فيها، رغم التحولات الكبرى التي شهدها العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ودخول الصين الشعبية في اقتصاد السوق العالمي، وانهيار القومية الاشتراكية العربية.
 
وبناء على ما ذكر آنفا، يعتبر الطريق الرابع أن أي انتقال ديمقراطي ببلادنا، هو رهين بإصلاح اقتصادي حقيقي، بموجبه ينال المغاربة نصيبهم من الحق في الثروة، ومن العدالة المجالية، والولوج إلى البنيات الأساسية.
 
وللنهوض بهذه الحقوق وتفعيلها، يجب بناء قاعدة شعبية، لها من يمثلها ويتفاوض باسمها، من أجل سياسة اقتصادية قائمة على تبادل الثقة تعمل لصالح الفقراء، وتستوعب مطالبهم، وتكون لسانهم، وتحقق الحماية الاجتماعية لهم، وتوفر فرص العمل المنتج واللائق لهم، مع تخصيص الدعم في بعض الخدمات، والحرص على إ يصاله كاملا لمستحقيه، وإشراكهم في صناعة القرار وتحضير الميزانية.
 
واستنادا على ما سبق، فإن الطريق الرابع، يعتبر أن مسألة مناهضة التفاوتات الاجتماعية مسألة جوهرية، وأن المساواة في السياسات الاقتصادية الوطنية المجالية، تتطلب محاربة الريع وعدم التسامح معه، وتحديد المتورطين فيه، وتنظيم نظام المراقبة، وتطوير نظام واضح للمساءلة، وإصلاح الإدارة، وإصدار قوانين لمنع الاحتكار، وإصلاح نقائص الإدارة العمومية، ومنع هروب الاستثمارات إلى الخارج، والحد من الامتيازات، ونشر ثقافة حماية المستهلك، والاستثمار في الرأسمال البشري (التعليم والصحة).
 
لقد قدم اليسار بالمغرب، في العديد من المحطات، إنجازات كبيرة، لكنه توقف عن العمل منذ انهيار الاتحاد السوفيتي لأنه كان تبعيا وغير مستقلا بذاته، حيث لم يستطع التفكير في الاقتصاد الذي بات يتصدر كل الأحداث. ولم يستوعب أن مفهوم السلطة قد تغير، وأن نمط تفكير وعيش الناس قد تغير، وأن تجديد المشروع الوطني الديمقراطي، بات يستلزم قوة شعبية للتفاوض الحقيقي وليس لرفع الشعارات، والتردد الببغاوي للأناشيد الحماسية.
 
إن التغيير من منظور الطريق الرابع لا يرتبط فقط بالحد من القمع وتحقيق الحريات، بل يتطلب إنجازا اقتصاديا كبيرا لتحقيق العدالة الاجتماعية انطلاقا من رؤية مستقبلية للنمو الاقتصادي وتوسيع نطاق السوق المحلي والحد من تفشي الاضطرابات والتوترات الاجتماعية، والقلاقل التي يغذيها المتطرفون.
 
وعلى الإجمال، فإن هذه الرؤية، تتطلب مصالحة مجتمعية، اجتماعية وسياسية جديدة، مدعومة بإنجازات اقتصادية كبرى، وعناية فائقة لمغاربة العالم القروي وسكان الجبل والواحات والسهول والسهوب وضواحي المدن، وإرادة سياسية قوية لتحقيق نمو اقتصادي مدمج، عادل ومستدام، وإرساء منظومة إنتاجية وطنية متماسكة، تستفيد منها الحاشية السفلى ومن يدور في فلكها.
 
الرئيس الناطق الرسمي لمنتدى مغرب المستقبل (حركة قادمون وقادرون)