الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أنت مكتئب.. إليك العلاج

حنان درقاوي
 
يعتبر الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعا، وهو يضرب خبط عشواء ولا يميز بين الفقير والغني والمؤمن والكافر والأوروبي والإفريقي، وأعراضه كثيرة، ومن بينها فقدان المعنى من الحياة، فقدان المتعة، سواء كانت جنسية أو لذة الأكل والخروج والتبضع والرياضة والصلوات وكل شيء، النوم الكثير أو ما نسميه بالالتصاق بالسرير، وفي حالات الأرق الشديد الصمت المطبق، ويصاحبه غالبا شعور بالدونية قد تصل إلى الرغبة في الانتحار، بل والإقدام عليه وتسيطر فيه الأفكار السوداوية عن الذات والعالم والآخرين...
أسباب الاكتئاب تتعدد، ومن خلال دراستي الأكاديمية وقراءاتي الشخصية والاطلاع على تجارب المكتئبين، فإنه يمكن تلخيصها في عقدة الشعور بالذنب، التي تنشأ منذ الطفولة نتيجة تربية تعتمد على إشعار الطفل بالدونية والتجريح من أجل ضمان خضوعه لسلطة الوالدين أو الدين، وهناك أيضا ما يسميه أندري غرين بالأم الميتة يعني نوع من الأمهات لا تعطي أي ارتباط عاطفي مع طفلها، إما لأنها مقهورة في زيجتها وحياتها أو حزينة من حداد مثلا أو مكتئبة بدورها.
من أسبابه أيضا ما يصطلح عليه بالعجز المكتسب، الذي ينشأ عنه إحساس بالدونية نتيجة تكرار تجارب الفشل الدراسي أو المهني أو العاطفي لدرجة يفقد فيها الفرد إحساسه بالثقة في نفسه...
هناك أيضا جانب ذهني، وهو البون الشاسع عند بعض الأفراد بين توقعاتهم الكبيرة عن ذواتهم وبين حقيقة ما حققوه في الحياة.
يمكن علاج الاكتئاب بوسائل متعددة منها الأدوية في حالة وجود أفكار الانتحار، ولا سبيل غيرها لإيقاف هاته الأفكار بفضل أدوية توقف جزءا من الترابطات الدماغية المسؤولة عن الأفكار المتشائمة.
هناك أيضا التحليل النفسي المعتمد على الكلام، وهو يعطي نتائج مهمة لأنه يغوص في أصل الداء في الطفولة، ويمكن المريض من استعادة ذكرياته، التي أدت إلى الشعور المؤلم بالذنب، والتحليل النفسي عمل طويل وشاق، وإذا انخرط فيه المريض بجدية وصدق فإنه يتعافى.
هناك إعادة التركيب الذهني بإصلاح الأفكار المضطربة وتحويل التوقعات العالية إلى فهم واقعي للقدرات الشخصية مما يحقق الاتزان.
العلاج السلوكي يمكّن أيضا من استعادة الرغبة في العمل والرياضة وغيرها من الأنشطة من خلال التعريض التجريبي للمريض لهاته الاهتمامات.
يبقى العامل في تفاقم الاكتئاب هو العزلة، ودور المحيط مهم جدا في دعم المريض مع تجنب السخرية من كسله وإرغامه على الخروج أو الرياضة أو أداء الطقوس الدينية كالصلوات والتأمل البوذي المرهق لساعات لأنه لا يستطيع وحتى أن رضخ للإرغام فهو يقوم بذلك دون رغبة ومن ثم المحاولة يائسة.
ما يلزم مريض الاكتئاب هو أن يشعر أن محيطه المباشر يحبه بدون شروط ويدعمه ويبقى رهن إشارته عبارات الحب أو الدعوات الدينية تساعد على التشبت بالحياة.
يمكن أيضا الاستناد على وسائط علاجية كالكتابة والرسم والنحت والموسيقى والتأمل الصامت وكلها أشياء تساعد.
لا يجب الخوف والذعر من الاكتئاب إذا خلا من رغبات الانتحار، لأنه يمكن أن يكون فرصة للغوص في الذات والاشتغال على أولويات الحياة ومعناها والتوجه الذي نريد منحه إياها. إنها فترة صعبة يمكن أن تقود إلى اكبر النجاحات.
مع تمنياتي لكل مكتئب بالشفاء
كاتبة ومحللة نفسانية