درس اليوم.. إلى الرئيس الجزائري: على الأقل.. قليل من الحقيقة
الكاتب :
يزيد البركة
يزيد البركة
قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أمس الجمعة 19 مارس 2021، بمناسبة الذكرى 59 لعيد النصر، إنه يعمل من أجل "تعويض ضحايا التجارب النووية"!
من الصعب علي أن أتصور أن الرئيس لا يعرف تفاصيل ملف التجارب النووية الفرنسية في الصحراء "راقا" قرب تامنراست وفي مناطق الهجار. وسبب الصعوبة: أولا أن هناك دراسة وافية قامت بها منظمة المجاهدين الجزائريين تحت عنوان: "التجارب النووية الفرنسية في الجزائر دراسات وبحوث وشهادات"، ثانيا هناك دراسات قبل الأولى لباحثين أجانب وجزائريين أطباء واجتماعين ومؤرخين، ولطلبة في إطار البحوث الجامعية، ثالثا الرئيس تبون هو أصلا أحد الأطر السياسية القدامى لجبهة التحرير، وبالتالي هو مطلع على كل خفايا هذا الملف الشائك الذي يتضمن الكثير من النقاط السرية بين فرنسا وجنرالات الجزائر الحاليين والأموات.
الدراسات السابقة تكلمت كلها عن الأضرار الجسمية مثل السرطان وأمراض العيون وتشوهات الأجنة للنساء الحوامل، التي يحاول الرئيس النفاذ منها، لطمس جوانب سياسية واستراتيجية، ولكنها تكلمت أيضا عن التربة وعن المياه الجوفية والعيون وعن المناخ والهواء وعن النبات وعن الحيوانات وتكلمت عن الذرات المشعة، التي وصلت حتى إلى عاصمة تشاد، وإلى جنوب إسبانيا والبرتغال.
أن يتكلم الرئيس الجزائري عن هذا الملف اليوم شيء إيجابي، لكن لابد من قدر من الشجاعة، حتى لا أقول أكثر وأتجاوز الأسلوب الأخلاقي الواجب مع رئيس دولة، لمصارحة الشعبين الجزائري والمغربي أساسا، بالحقيقة كاملة، أساسا، لأن الشعبين الموريتاني والمالي تضررا هما أيضا من الإشعاعات لكن بدرجة أقل.
وتقتضي الصراحة عدم الاختباء وراء الاستعمار الفرنسي وحده لأننا نعرف أن النظام الجزائري ومن أشرف على المفاوضات مع فرنسا يتحملون المسؤولية أيضا في ما وقع. نحن نعرف أن فرنسا كانت تقر بأنها فعلا قضمت أراضي من المغرب وضمتها للجزائر، وأنها مستعدة أن ترجع تلك المناطق أي الصحراء الشرقية للمغرب مقابل عدم دعم الثورة الجزائرية، وكان هذا السعي من تاريخ بداية المفاوضات الفرنسية المغربية حول الاستقلال الشكلي وتجدد مرة أخرى بعد الاستقلال في 1956 و1957، وكان رفض المغرب لهذه المقايضة حاسما، كان هذا في وقت تعمل فرنسا جاهدة على صنع مفاعل نووي في الأراضي الفرنسية وليس في الجزائر، وكانت ما تزال تبحث عن مكان صالح لإجراء التفجيرات.
ماذا جعل فرنسا تنقلب رأسا على عقب من اعترافها بقضم أراضي مغربية إلى موقف صارم يدعم ضم الصحراء الشرقية للمغرب إلى الجزائر، السبب ليس انتقاما من المغرب لأنه يدعم الثورة الجزائرية، بل لأن فرنسا اختارت في أواخر 1957 أن تجري تجاربها في تلك الصحراء، وقد ذهب هلعها من جيش التحرير المغربي في الجنوب إلى درجة وضع خطة للقضاء عليه بتعاون مع الدولة المغربية بعد ان ضرب عدة مرات مناطق كان فيها العمل يجري على قدم وساق لبناء وحفر محطات الاشتغال النووي، والتي كانت تضم في البداية علماء ومختصين فرنسيين وإسرائيليين، ومعلوم أن فرنسا كانت قد بنت مفاعلين إذاك ولكنها في حاجة إلى التمويل والماء الثقيل والبلوتونيوم، وأمريكا والاتحاد السوفياتي رفضا تقديم أي دعم حول برنامجها، وكانت إسرائيل آنذاك قد هرّبت المادتين الأخيرتين، أما التمويل فقد وعدت به فرنسا عن طريق الذراع المالي للمنظمة الصهيونية، ووجود علماء إسرائيليين كمشرفين على التجارب النووية إلى جانب علماء فرنسيين وعلماء ألمان من أسرى الجيش الفرنسي، وهو ما يفسر عدم إجراء إسرائيل أي تجربة نووية لأنها استفادت عمليا وعلميا من التجارب في الصحراء، والجرائم التي اقترفتها فرنسا لا يمكن أن نبرّئ منها إسرائيل في ما يتعلق بالتفجيرات الأربعة التي تمت قبل استقلال الجزائر، أما 13 تجربة التي تمت بعد الاستقلال في الهجار حتى 1966، فلا يمكن ان نبرّئ منها النظام الجزائري.
هذه هي الحقيقة التي كان على الرئيس تبون أن يصارح بها الشعب الجزائري، أن يقول: "فرنسا وإسرائيل تتحملان مسؤولية التفجيرات النووية من تاريخ 1960 حتى استقلال الجزائر، ونحن كنظام نتحمل معهما المسؤولية من تاريخ الاستقلال إلى سنة 1966".
لماذا سمح النظام الجزائري بمواصلة التجارب النووية؟ لأن هناك بندا في اتفاقية إيفيان ينص على الحفاظ وضمان التواجد العسكري الفرنسي في الجزائر حتى سنة 1967. معنى هذا أنه فيما كان المغرب يندد بعزم فرنسا تفجير قنبلة نووية في الصحراء، ووجهت حكومة عبد الله إبراهيم رسالة احتجاج إلى فرنسا في فيفريي 1959، وألغت الاتفاقية الدبلوماسية مع فرنسا، التي كانت قد وقعت في 28 ماي 1956، بعد أن فجرت الأخيرة القنبلة النووية في 12 فيفريي 1960، ونددت صحافة الحركة الوطنية بالتفجيرات وخلقت جوا مناهضا لفرنسا، كانت قيادة بومديان الذي دخل مع دوغول في مفاوضات سرية يبيّت الدسيسة ضد المغرب، ويعمل على إبقاء التجارب النووية في الصحراء، لأنه مؤمن أن تلك الصحراء ليست له على كل حال.
لقد وقفت، وأنا أتلقى جرعتي اللقاح وأيضا وأنا أتابع قدرة الطواقم الطبية على مسايرة التقدم العلمي والتقني في عدد من البلدان، على أن المغرب يتوفر على طاقات هامة جدا، لا أدري أمام هذا كيف لم تباشر لحد الآن أي جهة غير رسمية مثل نقابة الأطباء او جمعية المحامين بالمغرب أو جمعية قدماء المقاومة وجيش التحرير بإعداد دراسة عما أصاب الأراضي المغربية والإنسان والنبات والحيوان والماء في الجنوب المغربي من جراء تلك التجارب النووية؟!
إنه شيء يدهشني ويخلق لي صدمة، يبين نوعا من اللامبالاة إزاء ما يمارسه النظام الجزائري ضد المغرب، فمنذ تاريخ انخراطي في السياسة دون أن أرجع إلى الأرشيف والكتابات، وأنا أشاهد التحرش والاستفزاز المستمر لجنرالات الجزائر بالمغرب، ويحز في نفسي كلما وقع استفزاز مثل ما وقع مؤخرا في فكيك، وقبله دفع البوليساريو للقيام باستفزازات مخططة، يسارع البعض إلى وضع المغرب في نفس موقع النظام الجزائري، ويدعو إلى التعقل، مع العلم انه لو كان المغرب يستفز لقلنا ذلك في الحين، لا نخاف من لومة لائم، لكن الواقع يبين أن الجنرالات لهم استراتيجية بعيدة عن استراتيجية تقدم المنطقة وازدهارها، بل استراتيجية عسكر الجزائر هدم المغرب على ساكنيه، وكل من يماثل بين الظالم وبين الضحية يبتعد عن الحقيقة والموضوعية...