عندما اختار المغرب نمط الاقتراع النسبي فلكونه يعكس بنيته الديمغرافية وبنيته السياسية، التي تفرض التوافق في ظل نظام يقوم على التعددية، وبالتالي فهذا نمط يذكي التقارب داخل التنوع الحزبي؛ وتعديل هندسة نمط الاقتراع باحتساب الأصوات على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، عوض أن يكون على أساس الأصوات الصحيحة المعبر عنها هو وسيلة لتكون التمثيلية حقيقة تقوّي العدالة الانتخابية؛ خاصة أن الواقع السياسي أظهر أن تأثير الأحزاب السياسية في المجتمع ضعيف؛ وبالتالي فإن طريقة احتساب القاسم الانتخابي تشجع على إنشاء أحزاب سياسية؛ ويعطي إمكانية تبلور الحركات الاحتجاجية في تنظيمات تمثيلية مستقلة؛ عكس نمط الاقتراع الحالي، الذي أفرز قطبية جوفاء لا تعكس الواقع السياسي، ولا تمثيلا حقيقيا لمختلف التعبيرات السياسية في البرلمان.
وهذا الوضع الجديد، خلافا للتقديرات المتسرّعة، هو الذي سيشجّع على المشاركة الواسعة في الانتخابات، وليس على مزيد من العزوف. لكن كأي نمط انتخاب تبقى له سلبيات ينبغي تجاوزها، إذ إنه سيفاقم من عدد الأحزاب المكونة للحكومة، الأمر الذي قد يهدد استقرارها؛ ويمكن أن يشجع انشقاقات حزبية، وبروز ظاهرة رضوخ الأحزاب الكبيرة لمطالب الأحزاب الصغيرة خاصة مع إلغاء العتبة...
ومن العادي أن تكون الخلافات والتضاربات لكونها جوهر السياسة؛ والبرلمان مؤسسة أنشئت من أجل احتضان هذه الخلافات والحسم فيها بشكل ديمقراطي، لكون الأصل هو الحسم الديمقراطي وليس التوافق.
غير أن ما أثير من قبل البعض من العدالة والتنمية يجسّد حالة من الريبة والشك تسود المشهد السياسي العام، سببها عدم ثقة الأطراف السياسية في بعضها البعض، فكلّ طرف يتربّص بالآخر، يتصيّد هفواته، من أجل تحقيق مكاسب سياسية. هذه الحالة ولّدت نفوراً من الحياة السياسية، بدت جلية من خلال اهتزاز صورة البرلمان الذي أوغل في المناكفات والصراعات الحزبية، الذي رافق الولاية الحالية، وما عرفه التصويت على القوانين الانتخابية هو صراع حول المقاعد الانتخابية، الذي هو متعارف عليه دوليا لكونه يحدد هندسة المجالس التمثيلية.
هذا الصراع في البرلمان عكَس، مرة أخرى، حالةً من تصدّعات قد تعمّق الأزمة داخله وتزيد من هشاشته، بسبب الخلل الهيكلي في تركيبة الأغلبية البرلمانية السياسية التي تشكّل الحكومة. إذ إن تحالفها كان اضطراريا مما جعل الحزب الذي يقود الحكومة، يشن هجوما قويا على البرلمان، لرفض باقي الفرق البرلمانية مجاراته في الإبقاء على القاسم الانتخابي القائم، الذي ظهر لهم أنه لا يخدم سوى المصلحة الذاتية للعدالة والتنمية؛ غير أن البعض، دون سند علمي، اتجه إلى اعتبار أن هذا التوجه، الذي يقوّي التفاعل ويعطي قوة للممارسة البرلمانية، حوّل مجلس النواب إلى مؤسسة تشريع قوانين تمنحها الفوز في الانتخابات دون إنجازات، بل وحتى إذا كانت فاقدة للزخم الجماهيري، من خلال استفادتها من أصوات المقاطعين للانتخابات والأموات وفاقدي الأهلية الانتخابية.
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية جامعة ابن طفيل القنيطرة