تقنين الكيف.. الفوائد والمحاذير.. حتى لا يتحوّل إنتاج النبتة إلى تفريخ لعصابات وممارسات الإجرام
الكاتب :
محمد نجيب كومينة
محمد نجيب كومينة
هل يوجد عاقل على وجه الأرض، أو حتى "هْبيل" باقي عندو شي نقشة ديال لعقل كتمشي وتجي، يمكن أن يعارض تقنين إنتاج وتصنيع وتسويق أي منتج طبيعي أو غير طبيعي وتحريره من ممارسات القطاع غير المنظم وسيطرة العصابات الإجرامية؟
هذا السؤال يصبح أكثر إلحاحا لمّا يتعلق الأمر بالكيف أو القنب الهندي، الذي يعتبر المغرب، بحسب عدد من التقارير الدولية، أكبر منتج له في العالم، وهو ما ليس مؤكدا ما دامت المعطيات المتعلقة بعدد من دول آسيا وأمريكا غير مضبوطة.
ذلك أن التقنين، وبغض النظر عن المشروع الذي يندرج في إطاره اليوم، مطلوب مادام مستحيلا القضاء على زراعة يعيش منها سكان عدد من مناطق شمال المغرب، مباشرة أو بشكل غير مباشر، عبر أيام العمل التي توفرها سنويا للسكان القرويين، ومادام الاعتماد فقط على الجانب الجنائي قد أثبت عدم جدواه، وفتح المجال لعلاقات موغلة في الفساد بين من يتولّون نظريا محاربة زراعة الكيف أو الاتجار فيه وفي مشتقاته، وبين الفلاحين والمهربين والمحوّلين...
أما الآن، وقد صار الاتجاه عالميا نحو رفع المنع عن استعمال الكيف، وقامت الأمم المتحدة بإخراجه من لائحة المخدرات القوية، وبدأت صناعة صيدلية وغذائية مهمة تقوم على أساس مادته الأولية في بلدان لا تنمو فيها العشبة طبيعيا، كفرنسا وهولندا وغيرها، مع ما يترتب على ذلك من ارتفاع للطلب، فإن التقنين، بالطريقة المناسبة لهذه المعطيات وليس لفترة الحماية أو العقود الأولى بعد الاستقلال، يصبح ملحا، وبغض النظر عن وجود مشروع للتثمين الصناعي وتطوير الصناعة الصيدلية. وكل اعتراض على ذلك، سيكون بمثابة دعم، حتى في حال انتفاء النية، لممارسات من شأنها أن تجعل الإجرام يأخذ حجما يصير معه الزجر الجنائي غير فعال، مادام الأمر يتعلق بملايير الدولارات، إذ يقدر دوليا ما ينتجه المغرب من الكيف ومشتقاته بـ23 مليار دولار سنويا حاليا، وبالاغتناء السريع والسهل لبعض الفئات، بمن فيهم رجال السلطة والدرك والبوليس والمخازنية... وأيضا السياسيين والبرلمانيين... إلخ.
ويكتسي التقنين، اليوم، أهمية خاصة أيضا في ضوء وجود، أو ما قيل عن وجود، نية في استغلال هذا المنتج الطبيعي، الذي يمكن إنتاجه بشكل أكبر عندما يصبح منظما ومقننا، في صناعات دوائية، سواء كانت في شكل منتجات منتهية الصنع أو منتجات وسيطة تساير الطلب العالمي وتسوّق بطرق مشروعة ومنظمة وفقا للقواعد والمعايير التي تحتكم إليها التجارة داخليا وعالميا، وتجلب للبلاد العملة الصعبة بشكل قانوني ودون خشية الاتهام بتبييض الأموال أو التهديد بالإدراج في القوائم الرمادية أو السوداء، إذ سيكون الشركاء الخارجيون على نفس درجة مسؤولية المنتجين والمصدرين المغاربة.
وسيتيح التقنين، ولاشك، الاهتمام بزراعة الكيف على نحو مغاير، وذلك بتطوير البحث الزراعي في هذا المجال، والاعتناء بطبيعة النبتة المغربية وخصوصياتها، باعتبارها منتجا بيولوجيا، وبوضع معايير مغربية وبالمجالات التي تنتج فيها وبالسكان الذين ينتجونها، وبإقرار علامة جغرافية معروفة عالميا.. فلا شيء أخطر من أن يُترك الحبل على الغارب ومن الاستمرار في الرهان على الجنائي لحل مشكلة ذات تعقيدات غير قابلة للاختزال في ما هو جنائي.
ومع ذلك، يجب القول إن التأطير الجنائي يجب أن يظل حاضرا للحيلولة دون تكوّن عصابات خطيرة تستغل الفلاحين وتهرّب المخدرات وتحتفظ بأموال المهرَّب في الخارج وتدخل في ممارسات إجرامية من شأنها أن تخلق وضعيات شبيهة بتلك التي نشأت في بعض بلدان أمريكا اللاتينية كالمكسيك وكولومبيا وغيرهما، وجعلت الأمن العام يعاني من الهشاشة، وأيضا للحيلولة دون تواطؤ بين ممثلي الإدارة والأمن والدرك والأحزاب والمنتخبين مع تلك العصابات، أو لجوئهم هم أنفسهم إلى ممارسات تندرج في إطار الإجرام والابتزاز والارتشاء، بحيث يلزم ان تتم مراجعة أساليب مراقبة من ستسند لهم مهام المراقبة، وأن يجري الحرص على الحيلولة دون دخول هؤلاء الأخيرين في علاقات مشبوهة، وهو ما لن يكون سهلا، كما لم يكن كذلك، بالنظر إلى أن الأموال الرائجة والقابلة للرواج ضخمة.
إن ربط زراعة الكيف بالصناعة والتصدير يمكن أن يوفر للبلاد فوائد كبرى، وهذا ما سبق لي التأكيد عليه قبل مشروع القانون المثير للجدل بمدة على صفحتي على الفايسبوك، شرط أن يكتمل التقنين بسلامة ومصداقية البنيات الإدارية المكلفة بالمشروع، وهنا مربط الفرس، إذ إن ثقافة الريع تجعل كل الانحرافات ممكنة...