"الإخوان المسلمون" المغاربة.. بين التهافت العقدي والتهافت على المصالح
الكاتب :
حميد أحمد المرادي
حميد أحمد المرادي
للذكرى دائما
"وكنا إذ ذاك شبابا..." على حد تعبير الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، في قصيدة رثاء للشهيد عمر بنجلون، الذي اغتالته أيادي الإسلام السياسي مبكرا، خدمة لأسيادهم، الذين صنعوهم قطعة قطعة، حتى استطاعوا أن يخترعوا لأنفسهم تاريخا بريئا منهم ومن ادعائهم.
"وكنا إذ ذاك شبابا..."، عايشنا بداية انتقال الصراع من "الشارع إلى المؤسسات"، هذه البداية، لم تكن تعني في ذهننا إلا الدخول إلى مرحلة "الصراع الديمقراطي" بين أطراف "الصراع الطبقي".
منذ ذلك الزمن، جرت الكثير من المياه تحت الجسور، كل الجسور، وصرنا نتعايش مع من اختار لنفسه عذرية في مصحات الدين والوطنية والشعبية.
ومررنا من "المسلسل" الديمقراطي إلى "الانتقال" الديمقراطي، إلى "مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الجديد" إلى "الربيع العربي"...، ليدحر ترامب "الأيقونة الإعلامية" أوباما.
اليوم ليس هو الأمس بالتأكيد
صادق مجلس النواب، في جلسة عمومية، ليلة الجمعة 05 مارس 2021، بالأغلبية على "مشروع قانون تنظيمي رقم 04.21 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب"...، وحظي مشروع القانون التنظيمي بموافقة 162 نائبا، ومعارضة 104 نواب، فيما امتنع عن التصويت نائب برلماني واحد.
ولعل ما أثاره المشروع من نقاش حول اللوائح الوطنية للنساء والشباب، يبقى ضمن النقاش المطلوب فتحه عموميا، حتى لا يبقى رهينة "المستوى"، الذي عبّرت عنه "النخبة" المنتخبة ضمن القوانين السابقة.
لا شيء حرّك تنظيم "الإخوان المسلمين" أكثر من موضوع "القاسم الانتخابي"، الذي بواسطته استطاع تنظيم "حزب العدالة والتنمية"، المدعوم من كل أطياف تنظيمات الإسلام السياسي حتى التي تعلن مقاطعة الانتخابات، أن يشكل أغلبية نيابية بعدد من الأصوات لا يتجاوز (باحتساب الدوائر الوطنية) مليوناً و618 ألفا و963 صوتا، متبوعا آنذاك بحزب الأصالة والمعاصرة بمليونٍ و216 ألفا و552 صوتا، أي أن الفرق بين الحزبين لا يتجاوز 400 ألف صوت، مع العلم أن ما حصلت عليه الأحزاب الأخرى يتجاوز بكثير ما حصل عليه الحزبان الأولان مجتمعين.
لكن الأرقام خادعة، ولا تفي بالحقيقة الاجتماعية والسياسية، ويمكن الترويج للكذب حين تتوفر على تمويلٍ كافٍ لشراء الذمم وعمداء الصحفجية على حد تعبير أصدقائنا المصريين.
في أسباب النزول
تعاني الديمقراطيات في نموذجها الغربي، ومنذ أكثر من 20 سنة، من الفرق الشاسع بين المسجلين في اللوائح الانتخابية والمشاركين في العملية الانتخابية عبر التصويت.
فالمسجلون منطقيا يعلنون عبر تسجيلهم ذاك، عن استعدادهم للتعبير عن مواقفهم، وبالتالي فعدم المشاركة في التصويت، معناه أو تفسيره، يمكن أن يكون عدم الاستطاعة للتصويت لظروف خاصة، أو لموقف من كل المرشحين/الأحزاب، أو لإكراه مادي أو معنوي مانع...
وبالتالي، فإن المقاعد، التي تحصل عليها الأحزاب، ينبغي أن تكون متناغمة مع عدد الذين صوتوا عليهم، لأن الأحزاب في النهاية لا تمتلك إلا مشروعية عدد المصوتين الذين تحملوا عناء الانتقال إلى مكاتب التصويت، وبالتالي فالذين لم يحضروا هم معنيون بالعملية الانتخابية لكنهم ولأسباب مختلفة لم يحضروا ولم يمارسوا حقهم، وبالتالي فإن القاسم الانتخابي على أساس المسجلين هو القاسم الأكثر عدالة في التعبير عن موقف الناخبين من الأحزاب وعن قدرة هذه الأخيرة على التعبئة.
ولأن "حزب العدالة والتنمية" يعلم علم اليقين حقيقة كتلته الانتخابية، فإن القاسم الانتخابي على أساس المسجلين لا يخدم مصالحه، وهذا الأمر ينطبق على باقي الأحزاب أيضا.
رسالة "الإخوان" من الحضور "الجماعي"
يستمر "الإخوان المسلمون" في محاولة الظهور بمظهر القوة الجماهيرية، والحقيقة المرّة، ليست من هذا الأمر في شيء، فالتاريخ لا يرحم، والتاريخ أتبث، والمرّة تلو الأخرى، بأنهم كانوا، دائما، في ظل نظام الاستبداد، ابتداء من طلب الحماية من المرحوم عبد الكريم الخطيب وخدمة مخططات المرحوم إدريس البصري في التحكم و"هندسة" الخرائط.
وما زالوا يمارسون نفس محاولات الإيهام بالقوة الوهمية عبر استعراض عضلات "منتخبين" اعتمادا على لوائح الريع التي صيغت على مقاس متطلبات "الربيع العربي".
يريد "الإخوان" القول بـ"قوتهم" وهم يعلمون علم اليقين أن "قوتهم" استمدوها ويستمدونها من "أسيادهم" داخليا وخارجيا.
رسالة إلى الرفاق
مؤسف أن يصل "الصوت الديمقراطي" اليساري إلى ما وصل إليه:
- بعد أن انقلب البعض عن الاختيارات الكبرى من أجل المنافع الصغرى.
- وبعد أن انتهز البعض الفرصة للانقضاض على بعض الذين قبضوا على الجمر رغم التضحيات.
- وبعد أن انضم بعض ذوي القربى عن وعي شقي أو لبعض المنافع إلى المشروع النقيض.
- وبعد أن لم يستوعب من يعنيه الأمر جدلية التناقض، ولم يحدد بشكل صحيح وعلمي النتاقض الرئيسي والثانوي على أساس فكري معرفي...