الظاهر أن الأحزاب، بسبب شيخوختها وفقدان المواطن للثقة فيها، لم تعد قادرة على تحقيق مطالب المواطنين حينما تصل إلى مراكز اتخاذ القرار، بل إن فقدانها للمصداقية يؤدي إلى الفشل في لعب دور الوساطة وامتصاص غضب المواطنين بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، من خلال التدخل لحمل مطالبهم وتبنيها والترافع عنها وتحقيقها أو جزء منها، ليس من خلال مقاربة "الإخماد" و"الترقيع"، ولكن من خلال خطط تنموية استباقية.
ما وقع في الفنيدق نموذج جديد، ينذر بتوترات غير محمودة مع اشتداد الأزمة التي طالت خصوصا الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بسبب كورونا وإجراءات محاربتها.
نتضامن مع المواطنين ومع مطالبهم الاجتماعية، لكننا ندعوهم إلى ضبط النفس ومحاولة حل المشاكل عبر الحوار، لأن هذه الأزمة عالمية، مست أعتى اقتصادات العالم، وليست مرتبطة بدولة ما في حد ذاتها، كما أن أي تحرك حاليا سيؤدي إلى تهديد حياتهم وحياة أهاليهم ونشر الفيروس اللعين، لابد من الصبر والتضحية في سبيل الاستقرار، والالتزام بالإجراءات الوقائية وحالة الطوارئ، إلى حين تحقيق المناعة الجماعية وردع الجائحة التي لم يسلم أحد من تداعياتها فوق البسيطة.
ولكن بالمقابل، يحتاج المشهد السياسي إلى خلخلة قوية، إلى زلزال حقيقي، حتى تصير لدينا أحزاب حقيقية قادرة على تحقيق التطلعات، أو بعض منها، أحزاب تؤطر باستمرار، تتواصل باستمرار، وحينما تصل إلى مراكز القرار المحلي أو الإقليمي أو الجهوي أو الوطني، تكون قادرة على حل مشاكل الناس وتحقيق التنمية ورفع العزلة والتهميش عنهم.
وإن كانت حالة الفنيدق ترتبط بقرارات أخرى، فعلى المسؤولين والمنتخبين إيجاد بدائل اقتصادية تضمن فرص الشغل لآلاف المواطنات والمواطنين الذين فقدوا أي مدخول منذ إغلاق معبر سبتة المحتلة، بدائل أستغرِبُ كيف تطالب بها أحزاب مشاركة في الحكومة وفي تدبير الشأن العام (في بلاغات لها)، عوض تحمل مسؤولياتها في إيجاد هذه البدائل وتفعيلها على أرض الواقع!
إن إطارات "الولائم" و"المال الفاسد" و"دغدغة العواطف باسم الدين ظلما وعدوانا"، من أجل أهداف ضيقة بعيدة عن حس "تامغربيت" و"الوطنية" وقيم الالتزام والتفاني في سبيل الوطن والمواطنين، هي إطارات غير قادرة على إيجاد الحلول لأنها ببساطة جزء من المشكل.
كيف ننتظر التغيير الديمقراطي من أحزاب مهترئة لا تستطيع تغيير حتى واقعها، متخبطة في فساد داخلي عميق وغياب شبه تام للديمقراطية الداخلية، وانتشار كبير للزبونية والمحسوبية و"منطق العائلة والتوريث"، أحزاب ترشح كل من هب ودب لتدبير مصالح المواطنين، يصير همهم الوحيد حينما يصلون إلى مراكز اتخاذ القرار، استرجاع ما استثمروه نقدا وعينا، وتحقيق الربح على حساب مأساة الناس!! أحزاب ترشح أميين لا يستطيعون الإبداع في الحصول على موارد مهمة لتنمية مناطقهم، بل ليست لديهم أصلا نية في ذلك، واللبيب يفهم ذلك من طريقة انتخابهم، وبرلمانيين يردد عدد منهم لغة الخشب، وعدد آخر يغط في نومه فوق الكراسي الرتيبة، مع أقلية من المنتخبين الحقيقيين النزهاء!!
إن غياب حس الوطنية والمواطنة والالتزام وربط المسؤولية بالمحاسبة، وترشيح فاقدي الكفاءة والتكوين والمصداقية، والطابع الانتخابي والولائمي للأحزاب، سيؤدي إلى اضمحلالها وستساهم دوما في تعقيد المشاكل عوض المساهمة في حلها.
من جهة أخرى، فالتداعيات الكارثية لأزمة كورونا تهم الجميع، وتدعو المواطنين إلى التضحية والالتزام بقانون الطوارئ، لصالح حياة وصحة ذويهم، خصوصا مرضاهم وكبار السن منهم، كما تدعونا جميعا إلى إحياء قيم "ثيويزي" المجيدة التي أبدعها أجدادنا منذ عشرات القرون، قيم التضامن والتآزر السرمدية المميزة لـ"تامغربيت"، لكن على المواطنين كذلك المساهمة أيضا في تخليق الحياة السياسية، من خلال عدم تكرار أخطاء الماضي عندما يختارون من يمثلهم ومن يشرف على تدبير شؤونهم، وعلى الأحزاب إعادة النظر بشكل عميق في آليات اشتغالها وأهداف وجودها وسلوكها السياسي، وعلى الشباب والكفاءات الانخراط في التغيير من خلال ولوج المؤسسات والمساهمة في تدبير شؤون الوطن والمواطنين، وإحداث تغيير جذري في الممارسة السياسية.
أوضاعنا نعرفها جيدا، لكننا يجب أن نكون حريصين على استقرار بلدنا بنفس حرصنا على حقوقنا، التغيير الديمقراطي ممكن جدا، وهو لن يتحقق سوى بالهدوء ومن خلال ولوج المؤسسات، وزلزلة الأحزاب وخلق أخرى حقيقية، وحل أخرى تحولت إلى "حوانيت للارتزاق" تورث أبا عن جد، إنه واجب وطني يجب الانخراط في إعماله بشكل تدريجي.