الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

القضية الفلسطينية راسخة فينا لكن وحدتنا الترابية أولويتنا

 
محمد نجيب كومينة
 
القضية الفلسطينية راسخة في قلوبنا وفي وعينا ولا وعينا، ولها الحضور الضروري في نظرتنا للمنطقة العربية وللخريطة العالمية وضمنهما وطننا، وما لم يوجد الحل المناسب لها الذي يرضي الشعب الفلسطيني ويرجع إليه حقوقه الوطنية المغتصبة من طرف الاحتلال الصهيوني، فإنها ستظل في مكانها ومكانتها بالنسبة لنا وستستمر في تحريك ردود فعلنا العقلانية واللاعقلانية. هذا ما لا يحتاج إلى تأكيد أو تقديم برهان من البراهين.
 
لكن، ولنناقش الأمر بهدوء كي لا ننحرف إلى متاهات، تبقى القضية الفلسطينية أولا وقبل كل شيء قضية وطنية للشعب الفلسطيني، وامتدادا قضية عربية وإسلامية وإنسانية من باب التضامن مع شعب، ومن باب الرمزيات الدينية (القدس وبيت لحم وغيرها)، واستعمالها واستغلالها خارج هذا النطاق من طرف القوميين ثم الإسلاميين هو الذي أجاز أصنافا من الوصاية والاصطفاف الإيديولوجي كانت نتيجتها شق الصف الفلسطيني وتشتيته، في الوقت الذي كان في حاجة إلى حركة تحرر وطني موحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية لخوض معارك سياسية استراتيجية وتكتيكية، بعدما أدى العمل الفدائي دوره في إحياء القضية وضمان حضورها عربيا وإسلاميا وعالميا، وكانت نتيجتها، أيضا، أن تم استغلال القضية من طرف جماعات الإسلام السياسي لإدخال العالم العربي، على الخصوص، في أزمات خطيرة تهدد وجود الكثير من الأوطان والدول على خريطة العالم أو تجعل عددا من دوله تتدهور وتنتهي دولا فاشلة كما حصل في الصومال، وفي السودان التي قسّمت، وفي ليبيا واليمن وسوريا والعراق... الخ.
 
بناء على ما سبق، أصل إلى القول إن قضيتنا الوطنية الأولى هي قضية وحدتنا الترابية ووجودنا الوطني المرتبط بها الآن وغدا، وتسبق في سلم أولوياتنا، كوطن وشعب ودولة، ما عداها من القضايا، التي تنال تضامننا، بما فيها القضية الفلسطينية المترسخة في الوجدان والعقل كما سلفت الإشارة، ونحن في معركة دائمة من تعزيزها واستكمالها بالوسائل المتاحة لنا، سواء على الأرض أو في الساحة القارية والدولية، حيث لا يتوقف الخصوم عن تعبئة كل إمكانياتهم للوصول إلى غايتهم الأساسية المتمثلة في قطع أرجل المغرب وحشره في الزاوية الضيقة بدوافع هيمنية موروثة عن الاستعمار وأمراض نفسية تفسر كثيرا من حماقاتهم التي قادتهم إلى الفشل، ونحن أيضا لا نتوقف عن تعبئة إمكانياتنا للتصدي لمناوراتهم وخططهم يحركنا فقط هدف وطني وحرص على مصلحة وطنية بعيدا عن أي رغبة في إلحاق أي أذى بالجيران أو غيرهم.
 
وفي معارك وطنية، من هذا الحجم وبهذه الأبعاد ذات الصلة بالوجود والمصير، قد نجد أنفسنا أمام اختيارات قد لا تكون كليا مع مواقف ومبادئ نعتبرها راسخة، وقد نجد أنفسنا مضطرين لعقد صفقات أو تحالفات على مضض، وقد نجد أنفسنا في أوضاع مختلفة غير مألوفة ومعقدة، لربح تلك المعارك، ونحن لسنا الأولين ولن نكون الأخيرين الذين نضطر لذلك...
 
والربح الذي حققناه اليوم باعتراف الولايات المتحدة بسيادتنا على أقاليمنا الجنوبية ربح استراتيجي وكبير، خصوصا وأنه تجاوز الموقف السياسي وأصبحت له قوة القانون بالنسبة للديبلوماسية الأمريكية، وكل شيء، واعتبارا للعلاقات التاريخية المغربية الأمريكية، تؤكد أن أي رئيس أمريكي لن يقدم على تغييره، لأنه في النهاية يأتي في امتداد تطور الموقف الأمريكي من قضيتنا الوطنية.
 
ومادام الأمر يتعلق بموقف قوة عظمى، لها وزن خاص في ميزان العلاقات الدولية، فإن آثاره ستكون كبيرة وذات اهمية مستقبلا على الصعيد العالمي، ويمكن لنا أن نتصور حجم صدمة الخصوم اليوم، لأن كل ما قاموا به مؤخرا انتهى إلى نتائج غير تلك التي تصوروها وهم يعبثون ببلاهة.
 
خلاصة القول إن للقضية الفلسطينية مكانتها لدينا التي لا يمكن لأحد أن ينتزعها أو ينزعها، لكن القضية الوطنية، قضية وحدتنا الترابية تسبق وتحظى بالأولوية، ولا يمكن لنا أن نضحي بها إرضاء لمواقف هوياتية سابحة في الفراغ لم تفد القضية الفلسطينية في شيء أو بشيء ولن تفيدها في المرحلة التي دخلتها.
 
نحن في سنة 2020، وفي زمن كوفيد 19، ولسنا في ستينيات أو سبعينيات أو ثمانينيات القرن الماضي، ومن المؤكد أن ما يجري في العالم سيفضي إلى نشوء براديغمات جديدة، لأن المشاكل والإشكاليات والمفاهيم الجديدة، التي تؤدي إلى نشوئها، تتطور بسرعة، ولن يكون ممكنا غدا التعامل مع العالم، الذي يتقوى فيه موقع العلم والتكنولوجيات الجديدة، بأنماط تفكير قديمة ومتقادمة وردود أفعال تحركها اللاعقلانية والنزعات الغريزية التي كانت وراء كل الإفلاسات والهزائم، التي جعلت القضية الفلسطينية تصل إلى ما وصلت إليه اليوم.
 
لنحذر أن يستغل الخصوم، ومن يساندونهم، صراحة أو ضمنا، تأجيج ردود الفعل الهوياتية المتضخمة، التي يمكن أن تقود إلى الكفر بالوطن. والبيّن اليوم أن أبواق الجزائر والانفصاليين تحاول أن تجعل الجميع ينسى الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، الهام والاستراتيجي، بتوجيه الأنظار نحو تطبيع ليس فيه جديد إلا إعادة فتح مكتب الاتصال في النهاية...
 
كاتب وإعلامي واقتصادي