الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الباحث المغربي رشيد لزرق

إخوان العدالة والتنمية وأوهام عبد الصمد بلكبير

رشيد لزرق
 
أسلوب تبادل الأدوار، بات أسلوبا أصيلا لتنزيل استراتيجية قوى التدين السياسي، ذات الجذور الإخوانية. وما يظهر من حمم الصراع المتطاير بين التيار البرغماتي، الذي يتزعمه سعد الدين العثماني، والتيار المزايد الذي يتزعمه بنكيران، هو مجرد تكتيك سياسي الغاية منه تدبير الحكومة، وفي نفس الوقت معارضتها، فبنكيران الذي لبس عباءة المعارض، ويتظاهر بالرجوع للوراء في نفس الوقت، يسير الأمور، من خلال ستار الأزمي، رئيس المجلس الوطني، الذي يلعب دور واجهة بنكيران، بغاية تصريف خطة متفق عليها مسبقا تقوم على أساس تبادل الأدوار، تخول لهم الاستفادة من الامتيازات الحكومية، وفي نفس الوقت عدم تحمل المسؤولية السياسية للقرارات التي يتخذونها.
 
إن هذا الأسلوب يمثل ضربا قويا للفلسفة الديمقراطية، ولوضوح الموقع، ويمثل كذلك قمة اللامبالاة والتعامل اللامسؤول مع قضايا الوطن، التي من الممكن أن تصبح أسبابا لكوارث مقبلة بدأت تلوح بوادرها عمليا في الأفق..
 
وحديث الأستاذ عبد الصمد بلكبير، بكون العدالة والتنمية مقبلا على انقسام أو انقلاب هو تركيب لا يستقيم، وعدم قدرة على فهم الظاهرة الإخوانية، وفق أدواته التحليلية المتجاوزة، فالمنهج المقارن الذي اعتمده بالمقارنة والقياس بين أوجه التشابه والاختلاف بين ظاهرتين لا يسعف في فهم المعرفي القائم على معرفة أنماط سياسية مختلفة، فالعدالة والتنمية في أصلها جماعة دعوية، وبالتالي هي خلاف التعبيرات السياسية، التي افرزتها التربة المغربية، هي أداة أفرزها سياق دولي لتنظيم عالمي، هو حركة الإخوان المسلمين، وهذا ما يجعلها مختلفة عن البنيات الحزبية، ولهذا فإنه لا مقارنة مع وجود الفارق، عندما حاول بلكبير شرح الاختلاف بين الانشقاق، الذي شهده الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال بانشقاق داخل العدالة والتنمية جناح بنكيران عن جناح العثماني، إذ هناك اختلاف على مستوى السياق التاريخي والتنظيم أو على مستوى المشروع…
 
من الصعب فهم البنية المتشابكة للبيجيدي وفق مقاربة مؤسساتية أو عددية لأية جهة إذ قد تأتي فتوى من شيوخ الجماعة وتكون هي الحاسمة لهذا الطرف أو ذاك
 
ويبدو أن هناك خلطا في تفسير المظاهر الحزبية بالمغرب لدى العديد من الباحثين والمحللين، فهم عندما يقارنون تجربة العدالة والتنمية بتجربة الاتحاد الاشتراكي، فإنهم يخرجون بخلاصات تبسيطية لا يمكن أن تفسر جوهر الظاهرة، لأن المقارنة لا تستقيم بالنظر للاختلافات في طبيعة البنى التنظيمية وطبيعة المشروع لكل من الحزبين.
 
وهكذا فحزب الاستقلال كان جبهة جمعت جل المغاربة المطالبين بالاستقلال والمحافظة عن الذات ومواجهة الآخر. والانشقاق كان طبيعيا لكون مرحلة الاستقلال وفلسفة التدبير وطبيعة الدولة وفلسفتها أحدثت فرزا بين اتجاه استقلالي منبهر بالتجربة القومية، واتجاه اتحادي مؤمن بالاشتراكية والتحرر والحداثة.
 
وعليه، فإن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعده الاتحاد الاشتراكي، كانت بنيته التنظيمية جبهةً أكثر منها حزبًا، لكونه كان يضم تيارات متعددة المشارب فيها الاشتراكي والإسلامي والقومي والثوري والإصلاحي، مما جعل بنيته التنظيمية قائمة على التباين والصراع بين هذه الروافد الفكرية، التي اشتركت كلها في ضرورة ترسيخ المشروع الديمقراطي، الذي يقوم على كون دمقرطة المجتمع تمر لزاما عبر دمقرطة المؤسسات والدولة.
 
حديث عبد الصمد بلكبير بكون البيجيدي مقبلا على انقسام أو انقلاب هو تركيب لا يستقيم وعدم قدرة على فهم الظاهرة الإخوانية وفق أدواته التحليلية المتجاوزة
 
أما على مستوى العدالة والتنمية، فهو حزب سياسي تشكل بعدما كان جماعة دعوية، وهذه الجماعة قائمة في الأصل على مشروع دعوي، نواته الصلبة جماعة التوحيد والإصلاح، والتباين لا يحسم بالديمقراطية، حتى وإن ظهرت في بعدها الشكلي، فهي لا تعدو أن تكون ديمقراطية الواجهة، ليس لها أي بُعد قيمي، كما أن القيادات لا تترجم اختيار الإرادة العامة، بل من خلال "الغلبة"، باعتماد البيعة، التي هي قاعدة شيوخ الجماعة، خاصة بمحيط الزعيم...
 
ومن جهة أخرى، إن هذا "الغالب" يصبح هو الزعيم، الآمر والناهي في التنظيم، لا مجال فيه للمبارزة الفكرية أو المشاريعية الواقعية بتداول من طرف القيادة.. إذ يُكتفى بما يسمى بمفاتيح التنظيم، الذين غالبا ما يكونون مدعومين من شيوخ الجماعة المؤيدين مسبقا لطرف دون آخر. وبالتالي من الصعب فهم البنية المتشابكة للعدالة والتنمية وفق مقاربة مؤسساتية أو عددية لأية جهة، إذ يمكن أن تأتي، في آخر المطاف، فتوى من شيوخ الجماعة، وتكون هي الحاسمة لهذا الطرف أو ذاك...
 
وخلاف ما اتجه إليه البعض، فإن نقاشات أعضاء المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وتطرقهم للقانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، لا يُظهر تناقضا داخل البيجيدي بين جناح بنكيران وجناح العثماني، لكون المسألة من طبيعة التكتيك السياسي، الذي اعتادت عليه العدالة والتنمية. وهذا ما يظهر في الإخراج، الذي تم فيه التصويت، للامتناع وليس بالحسم، بمعنى أن التناقض تم تصديره خارج البنية التنظيمية، في رسالة واضحة أن التنظيم أسبق من التحالفات المؤسسية، ولو كانت الحكومة أو البرلمان... فالعدالة والتنمية يلعب على الوقت ومستعد، في حالة فشل الحكومة، أن يتنصل من المسؤولية السياسية وينقلب على الحكومة، ويُخرج بنكيران من أو إلى الواجهة، ليس كما عالجه البعض بكونه خلافا ذا عمق فكري وإيديولوجي، فعدم حضور بنكيرن للمجلس الوطني ليس مؤشر قطيعة إيديولوجية وفكرية وسياسية، بل يدخل ضمن هذه الاستراتيجية الثابتة عند العدالة والتنمية.
 
===========
أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية جامعة ابن طفيل القنيطرة