من نافلة القول، التأكيد هنا، على أنه لو كان المغرب يخوض صراعا أو حربا استعمارية لكنا من أوائل من يقول لا، كفى أوقفوا حربكم، ولخرجنا إلى الشارع ورفعنا شعارات ضد الاستعمار والاحتلال. لكن ما يجري هو استمرار للتحرر، استمرار لحق تقرير المصير للمغرب الذي عرف اختلالات وتراجعات وتوقفات منذ النهضة الشعبية التحررية ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي.
نحن لا نتبنى القول الذي يفضله البعض، والذي يتلخص في أن المخزن ارتكب الكثير من الأخطاء، وعليه هو أن يفك العقد التي وثقها، ولا نتبنى في المقابل الرأي النقيض الذي لا يصوغ مواقفه إلا من مرجعية قرارات المخزن، كما أننا لا نتبنى الرأي القائل إن المخزن سجن وعذب وحول ثروات من أيادي إلى أيادي وبذر وأسرف، وبالتالي وتبعا لهذا سنهدم الوطن ونؤيد من يقف ضدنا في استكمال وحدتنا الترابية، ونعاكس أي تحرك للمخزن كي تتحقق هذه الوحدة ولو كان هذا المخزن يقف ضد مناوئي وحدتنا.
لسنا سذجا ولا حديثي العهد بالسياسة وعالم الصراعات والمواجهات السياسية والإيديولوجية، نعرف أن الدولة جهاز يتحكم فيه تحالف طبقي ونواته الصلبة هي طبقة أوليغارشية تستمد قوتها من قوة السلطة والمال، وهي بهذه الطبيعة في تحركاتها كلها حتى وإن كان التحرك لاسترجاع ما ضاع عبر الصراع الوطني والإقليمي تخطط ليصب الاسترجاع في نهاية المطاف في المصلحة الطبقية المتحكمة، لذا لا يمكن التماهي مع كل ما يجري في هذا الصدد، وبالمقابل لا يمكن لأي يسار جدير بهذا الاسم أن يحبط أي تحركات دولة كيفما كانت ولو كانت تمثل تحالفا طبقيا تسعى إلى استرجاع ما ضاع. لذا لما أكد الشهيد عمر بنجلون على ربط التحرير بالديمقراطية وربط تحرير الأرض بتحرير الإنسان كان قد وعى هذا التناقض في الحركة بين الطابع الوطني والطابع الطبقي.
لما رفعنا مطلب التخلي عن الزبونية والمحاباة والأعطيات في الصحراء وطالبنا بفتح الباب أمام الشباب بواسطة الديمقراطية الحقيقية والتعبئة من أجل التنمية، فهذا من أجل ألا يكون استكمال الوحدة الترابية في صالح المافيات المتربصة، أي ان الصراع السياسي والاقتصادي متداخلان من الآن في عملية استرجاع ما ضاع من الوطن. ولما قدمنا ورقتنا حول الجهوية الموسعة استحضرنا هذا الأمر، وعندما نصر على الديمقراطية الحقيقية كأهم حجر زاوية في الصراع الداخلي لا في ما يتعلق بالوطني ولا الطبقي، طبعا لن أرد على من يرى ألا نفعل شيئا حتى تتحقق الديمقراطية، ونترك مجلس الأمن يقرر ما يراه مناسبا لنا ويقرر المخزن هل يخضع أو يواصل المعركة لوحده لأنه كلام لا طائل منه.
إن الانسحاب من عملية الاسترجاع أو دعم القوى الممزقة لوطننا، لن يفيد لا في تقرير مصير الشعب المغربي ولا في منع الأقلية من أن تفعل كل ما تراه مفيدا لها، لأنها هي التي قررت استكمال الوحدة الترابية وتلبية الهدف الذي كان ولا يزال مطلبا ملحا لدى الشعب المغربي، وبهذا ستتمتع بتشجيع أغلبية الشعب.
يحمل هدف استكمال الوحدة الترابية تطلعات استقلالية وتحررية أجهضت في إيكس ليبان، ولا يتقادم هذا الحق بمرور الزمن، فالمغرب ممزق إلى أشلاء مبعثرة وهذا واقع قائم، وعلى عكس بعض الآراء لا نستمد تصورنا مما خططه ليوطي وجهابذته وخبراءه لخريطة المغرب ولا ما خططه لنا فرانكو، ولا ما يخططه مجلس الأمن. فكل الدول تعيش صراعات حول قرارات مجلس الأمن وهو جهاز دولي أنتجه البشر، ولا يمكن أن نحوله إلى إله مقدس لا يأتيه باطل، والأدهى أن البعض يتغاضى عما يقرره في صالح المغرب ويصر على التأكيد على ما يقوله البوليزاريو وأحيانا بطريقة "نسخ لصق"، فآخر قرار لمجلس الأمن أكد على فتح التبادل التجاري والاقتصادي في المعبر الحدودي، وأستغرب من إصرار البعض على أن فتح المعبر هو حَرْكَة بسكون الراء herka للمخزن على شاكلة الحركات التي كان يقوم بها ضد القبائل. وبالتالي يعتبر أن الموقف الذي تمت صياغته من مرجعية مجلس الأمن ينبني على الصراع الطبقي. وهو تجاوز مرحلة الاستفتاء إلى مرحلة البحث عن حل سياسي متوافق عليه ونهائي ودائم ولو أن الاستفتاء سيتم بعد ذلك لكن بشكل آخر أي بالتصويت على الحل وليس على سؤالين كما كان الحال في السابق، سؤال لهؤلاء لماذا تغمضون العين على قرارات مجلس الأمن التي هي في صالح المغرب وتعودون إلى قرارات متجاوزة؟
حتى أمريكا نفسها التي تملك هامشا كبيرا للمناورة لصياغة قرارات في مجلس الأمن تجد نفسها في كثير من الأحيان وخاصة مع ترامب تسعى إلى تغيير القرارات السابقة، المغرب بدوره رغم أنه ارتكب كثيرا من الأخطاء ولكنه أفشل عدة قرارات بطريقته وخاصة أيام كوفي عنان الذي استعمل منظمة الوحدة الإفريقية ببراعة لحصار المغرب وكذا أيام بان كي مون. فمن ضمن ما قام به المغرب من إفشال لقرارات مجلس الأمن، وهو أنه تمكن من وقف عملية الاستفتاء في لجنة الهوية وقد دفع البوليزاريو لأنهم لا يملكون تجربة المخزن في التفاوض إلى رفض مقترحات المغرب الوجيهة، لأن المينورسو في البداية كانت تريد لائحة الإحصاء الإسباني المحددة في 74 ألف شخص، في حين يريد المغرب عدم اعتمادها، وبعد مفاوضات مضنية قرر مجلس الأمن استكمال الإحصاء بإضافة اللاجئين، وقدم المغرب لاجئيه وقدم البوليزاريو لاجئيه وطال التفاوض، ورغم رفع العدد إلى قرابة 200 ألف فقد استعصى تحديد الرقم بسبب رفض قبيلتين مستقرتين قرب كلميم هما أصلا من الساقية الحمراء وخاضتا حربا ضد الاحتلال الإسباني حتى قبل أن يولد أي واحد من قادة البوليزاريو الحاليين.
حالة الشعب المغربي في ما يتعلق بتقرير مصيره لا يشبه روسيا في مرحلتها الامبراطورية وفي مرحلة الثورة أيام لينين، روسيا خاضت حروبا استعمارية ضد شعوب، بينما الشعب المغربي سلط عليه استعمار من دولتين ومزقتا أرضه، لينين بعد الثورة وجد بين يديه تركة استعمارية وفعلا حق تقرير مصيرها كان موقفا ثوريا وصحيحا، في حالتنا بعد الاستقلال وجد الشعب المغربي ضحية خدعة على حق تقرير مصيره وسلبت منه أجزاء وكان عليه استرجاعها وسيتم استرجاعها طال الزمن أو قصر. لذا فإن بلورة أي موقف حول تقرير مصير محتمل في أي بقعة من العالم لا يتم بناء على رغبة مجموعة سياسية أو على ما يريده مجلس الأمن أو على التاريخ الذي يسرده البعض تهكما مثل الأندلس أو موريتانيا والجزائر وتونس وليبيا في محاولة لتمييع الموضوع، لأن كل هذا التاريخ يدخل ضمن الامبراطورية المغربية، وضعت لها الدولة العثمانية وقشتالة حدا منذ مئات السنين، الموضوع الذي نتحدث عنه هو من بداية الاستعمار الحديث الذي تم في موجتين.
مما سبق أول محدد لبلورة موقف صحيح مبني على قيم الاشتراكية هو: هل دولة ما استعمرت شعبا أو اقتطعت أراضي من شعب أو دولة أخرى؟، أو أن أصوات تقرير المصير ظهرت لأسباب لا علاقة باستعمار ما؟؟، المحدد الثاني والذي يرفع من درجة قساوة الاستعمار هو: هل ترتب عن هذا الاستعمار استعمار شعب لشعب آخر وفرض عليه لغته ودينه وثقافته، أم أن اللغة واحدة والدين واحد والأصول السكانية ولو تعددت هي واحدة؟؟.